القائمة إغلاق

عش منتصرا هادمين حصونًا Live Victorious Casting Down Strongholds

  ترغب الأرواح الشريرة أن تلبث في المواقع التي أقامت فيها حصونًا. يقدم لنا الكتاب المقدس أمثلة لذلك في إنجيل مرقس 5، عندما حرر يسوع مجنون كورة الجدريين. فالأرواح الشريرة التي سكنت هذا الإنسان لم ترد أن يرسلها يسوع خارج المدينة.

مرقس 5: 9- 13

9 وَسَأَلَهُ يَسُوعُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَأَجَابَ: «اسْمِي لَجِيُونُ لأَنَّنَا جَيْشٌ كَبِيرٌ!»

10 وَتَوَسَّلَ إِلَيْهِ بِإِلْحَاحٍ أَلاَّ يَطْرُدَ الأَرْوَاحَ النَّجِسَةَ إِلَى خَارِجِ تِلْكَ الْمِنْطَقَةِ

11وَكَانَ هُنَاكَ قَطِيعٌ كَبِيرٌ مِنَ الْخَنَازِيرِ يَرْعَى عِنْدَ الْجَبَلِ

12 فَتَوَسَّلَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلَةً: «أَرْسِلْنَا إِلَى الْخَنَازِيرِ لِنَدْخُلَ فِيهَا!

13 فَأَذِنَ لَهَا بِذَلِكَ. فَخَرَجَتِ الأَرْوَاحُ النَّجِسَةُ وَدَخَلَتْ فِي الْخَنَازِيرِ، فَانْدَفَعَ قَطِيعُ الْخَنَازِيرِ مِنْ عَلَى حَافَةِ الْجَبَلِ إِلَى الْبُحَيْرَةِ، فَغَرِقَ فِيهَا. وَكَانَ عَدَدُهُ نَحْوَ أَلْفَيْنِ

لم ترغب تلك الأرواح الشريرة أن تترك موقعها، لذلك طلبوا أن يدخلوا في قطيع خنازير. وقد سمح لهم يسوع بذلك (ع 13).

إقامة حصون فوق مناطق معينة

يمكننا أن نستنتج من الفقرة السابقة أن الشياطين تريد أن تستوطن في أماكن معينة حول العالم أو في دول معينة. على سبيل المثال، كان يسهل عليَّ أثناء رحلاتي أن أميز نوع الأرواح الشريرة المستوطنة في أماكن معينة. بينما أقود السيارة في المدينة يمكنني أن أميز نوع الأرواح الشريرة السائدة هناك –ليس بسبب عمل أي موهبة من مواهب الروح فى حياتي– لكن عن طريق الحس والتمييز الروحي فحسب. فكل مؤمن ينبغي أن يكون لديه حَّس روحي كافي ليميز نوع الأرواح الشريرة السائدة في منطقة معينة. في بعض الأحيان تكون أرواح الفساد الأخلاقي أو السحر والتنجيم هي السائدة، أو تكون في أحيان أخرى أرواح تعزز من نشر ديانات غريبة. وليست المدن الكبيرة وحسب، بل حتى المدن الصغيرة يمكن أن يسود فوقها حصون روحية أو حكاَّم شر روحيين يسودون عليها. إن الأرواح الشريرة التي تسود على مدينة ما سوف تحاول أن تدخل الكنيسة إن وجدت أشخاصًا من داخل الكنيسة يخضعون لها ويسمحون لها بذلك.

الأرواح الشريرة في الكنيسة

كنت مع زوجتي نزور إحدى المدن عندما طلب مني الراعي في تلك المدينة أن أذهب لأعظ في كنيسته. كنت وقتها في حقل الخدمة أعلِّم بالكلمة، فظل يطلب مني مرة بعد الأخرى أن أعقد عنده اجتماعًا في الكنيسة.

أخبرته في النهاية أنني لن أذهب هناك. ثم وضحت له بأني لا أريد أن أخدم في تلك المدينة ما لم يخبرني الرب بالتحديد أن أفعل ذلك. كان شعب تلك المدينة يتفاخرون بأنهم من المحافظين. في الحقيقة، كانوا محافظين حتى في ناحية العطاء.. إلى درجة البخل.

إن الأرواح الشريرة التي تسود على مدينة ما يمكنهم الدخول إلى الكنيسة إن سمح لهم المؤمنون بذلك. كان الراعي في تلك المدينة يرعى كنيسة مليئة بأشخاص محافظين وتقليديين تؤثر عليهم وتحركهم شياطين البخل. أخبرته أن تلك الشياطين دخلت إلى كنيسة وأن شعبه لن يعضدني ماديًا إن ذهبت إلى هناك. فاتسعت عيناه وفتح فمه قائلاً: “هل أخبرك أحد بذلك؟” أجبته: “لا، بل الرب”. قلت لذلك الراعي: “إن شعب كنيستك لا يعاملون خدام الإنجيل كما يليق. لهذا السبب لن آتي”. ما لم يخبرك الله بالتحرك، فلا فائدة من أن تذهب لجماعة كهذه بأي حال. فهم لا يستطيعون أن ينالوا أفضل ما لدى الله لأنهم يسيئون معاملة خدام الرب. إذ تؤثر عليهم وتحركهم أرواح شريرة.

الكنيسة “البخيلة” ليست كتابية. يقول الكتاب “لاَ تَضَعْ كِمَامَةً عَلَى فَمِ الثَّوْرِ وَهُوَ يَدْرُسُ الْحُبُوبَ، وَأَيْضاً: الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَتَهُ” (1 تيموثاوس 5: 18). لقد اقتبس بولس هذه الآية من العهد القديم (تثنية 25: 4). لكنه كان يتكلم عن أولئك الذين في الخدمة (1 كورنثوس 9: 7- 14). فعندما يخضع أعضاء الكنيسة لأرواح شريرة كهذه، فهذا يفتح طريقًا أمام إبليس ليدخل الكنيسة. وهذا يحزن روح الله ويعيقه عن أن يظهر نفسه بالطريقة التي يريدها. نحتاج أن ندرك كمؤمنين أننا لا يجب أن نصغي لإبليس أو نخضع له بالمرة. ولا يجب أن نترك إله هذا العالم يسود على تفكيرنا أو أفعالنا.

هادمين حصونًا

بغض النظر عن نوع الأرواح الشريرة التي تسود على مدينة ما، فذات الأرواح سوف تحاول أن تدخل الكنيسة إن خضع المؤمنون الذين بداخل الكنيسة لهم وسمحوا بذلك. نستطيع أن نرى مثالاً لهذا في رسالة بولس إلى كنيسة كورنثوس.

كانت مدينة كورنثوس في ذلك الوقت واحدة من أكثر المدن فسادًا أخلاقيًا في منطقة الشرق. فروح الفساد الأخلاقي الذي ساد على تلك المدينة تسلل إلى الكنيسة عن طريق أحد الأشخاص الذي سمح له بذلك من خلال سلوك خاطئ. فقد عاشر ذلك الرجل زوجة أبيه. لذلك اضطر بولس أن يتعامل مع تلك الأمور الأخلاقية في رسالته إلى كنيسة كورنثوس.

1 كورنثوس 5: 3- 5

3 وَأَنَا غَائِبٌ عَنْكُمْ بِالْجَسَدِ وَلكِنْ حَاضِرٌ بَيْنَكُمْ بِالرُّوحِ قَدْ حَكَمْتُ عَلَى الْفَاعِلِ كَأَنِّي حَاضِرٌ

4 بِاسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، إِذْ تَجْتَمِعُونَ مَعًا، وَرُوحِي مَعَكُمْ، فَبِسُلْطَةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ،

5 تُقَرِّرُونَ تَسْلِيمَ مُرْتَكِبِ هَذَا الْفِعْلِ إِلَى الشَّيْطَانِ، لِيَهْلِكَ جَسَدُهُ؛ أَمَّا رُوحُهُ فَتَخْلُصُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ.

نلاحظ في هذه الفقرة أن بولس تعامل من الشخص والخطية التي أخطا بها فحسب. لكنه لم يتعامل مع “الروح الحاكم” على الكنيسة أو في المدينة. إنها حقيقية أن الأرواح الشريرة التي تسود على مدينة ما سوف تحاول أن تدخل الكنيسة ما لم يتصدى لها المؤمنون والكنيسة ككل. مع ذلك، فقد انتشرت في هذه الأيام بعض التعاليم المبالغ فيها في هذه الزاوية. لذلك نجد أن بعض المؤمنين اليوم ينحرفون عن المسار الصحيح في بعض الأمور التي يفعلونها تحت مسمى الحرب الروحية. إن الحرب الروحية حرب كتابية، لكن بعض المؤمنين الرائعين والأعزاء قد أفرطوا في بعض الممارسات المبالغ فيها والغير كتابية. وعلى الرغم من أن كثير من تلك المبالغات تندرج تحت ما يسمونه “هدم حصون”، إلا أنها لا تتوافق مع ما نقرأه في العهد الجديد. فهؤلاء المؤمنين الأعزاء المُضلَّلين يعتقدون أنهم يهدمون حصونًا كاملة فوق مدن ودول عن طريق الصلاة المكثفة “بألسنة قتالية”.

في الواقع، لا يوجد لدينا دليل كتابي صريح بهدم حصون فوق مدن كاملة ودول – وخصوصًا باستخدام الألسنة القتالية والصياح في وجه إبليس. نحتاج أن نرجع إلى ما تقوله كلمة الله. فماذا تقول كلمة الله بالتحديد عن هدم الحصون؟ قبل ذلك نحتاج أن نعرف ما هو الحصن في ضوء الكتاب المقدس.

2 كورنثوس 10: 4، 5

4 فَإِنَّ الأَسْلِحَةَ الَّتِي نُحَارِبُ بِهَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى هَدْمِ الْحُصُونِ: بِهَا نَهْدِمُ النَّظَرِيَّاتِ 

5 وَكُلَّ مَا يَعْلُو مُرْتَفِعًا لِمُقَاوَمَةِ مَعْرِفَةِ اللهِ، وَنَأْسِرُ كُلَّ فِكْرٍ إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ.

يُعرِّف بولس في هذه الأعداد ما هو الحصن. لكن لم يلتصق البعض بكلمة الله، فاقتطعوا عددًا واحدًا من نصه وتطرفوا في تفسيره. فمثلاً، انتزع البعض عبارة “الأسلحة التي نحارب بها… قادرة بالله على هدم حصون” من سياقها، وحاولوا أن يستخدموها ليؤسسوا عليها عقيدة كاملة. وبفصلهم العدد الرابع عن العدد التالي له، بدأوا يجعلونه يقول شيئًا لا يعنيه بالفعل.

عند قراءة العدد الرابع بمفرده كعقيدة كاملة يمكن أن يترك انطباعًا خاطئًا. سوف تخفق في فهم ما كان بولس يعنيه حقًا ما لم تقرأ العدد الرابع، الذي يتكلم عن الحصون، في سياق النص الذي كُتب فيه. فى الحقيقة، يتكلم بولس في هذه القطعة عن ضرورة أن يتحكم المؤمن في ذهنه وتفكيره الخاص. فهو يتحدث عن الاستعباد الفكري لأفكار وحُجج واستنتاجات ومناقشات تخالف كلمة الله. فبولس يتكلم في الأساس عن هدم الأفكار والاستنتاجات والتخيلات –وليس هدم حصون شيطانية فوق مدن ودول. يتضح معنى هذا الشاهد بصورة أوضح من الترجمة الموسعة:

2 كورنثوس 10: 4، 5

4 فَإِنَّ الأَسْلِحَةَ الَّتِي نُحَارِبُ بِهَا لَيْسَتْ جَسَدِيَّةً (أسلحة من لحم ودم)، بَلْ قَادِرَةٌ بِاللهِ عَلَى

هَدْمِ (تحطيم وتدمير) الْحُصُونِ: بِهَا نَهْدِمُ النَّظَرِيَّاتِ (والمجادلات)

5 وَكُلَّ مَا يَعْلُو مُرْتَفِعًا لِمُقَاوَمَةِ مَعْرِفَةِ اللهِ (الحقيقية)، وَنَأْسِرُ كُلَّ فِكْرٍ (عزم، تصميم) إِلَى طَاعَةِ الْمَسِيحِ.

إن أضخم معركة ستحتاج أن تحاربها هي دائرة الحياة الفكرية والذهن. فهي تنشأ في هذا الموضع.. “الذهن”. لذلك عليك أن تحارب تلك المعركة في ذهنك حتى تستطيع أن تثبت في الإيمان الذي هو الطريق إلى النصرة في كل مجالات الحياة.

إذًا، ماذا عليك أن تفعل بشأن تلك المعركة؟ كي تحارب تلك المعركة بنجاح، يتوجب عليك أن تجدد ذهنك بكلمة الله وتطرح كل الاستنتاجات والتخيلات والأفكار القديمة التي تضاد الكلمة – لأن إبليس يسعى ليمطر ذهنك بوابل من السهام. فإن مخطط إبليس الاستراتيجي هو أن يحوِّل المؤمنين عن المعركة الروحية الحقيقية – التى هي أسر كل فكرة إلى طاعة كلمة الله. فهو يعلم أن المؤمنين الذين يثبتون في الإيمان بالكلمة يمكنهم أن يكونوا خطرًا عليه؛ لأنهم بهذا يستطيعون أن يتمموا مشيئة الله لحياتهم على الأرض.

لهذا السبب يفرح إبليس عندما ينحرف المؤمنون إلى الخطأ والمبالغات محاولين أن يهدموا حصونًا شيطانية فوق مدن ودول. فهو يعلم أن تلك الحصون لا يمكن أن تُهدم مرة واحدة للأبد قبل الوقت المعين.. قبل انتهاء إيجار الإنسان على الأرض.

لذلك يسخر إبليس في كل مرة عندما يصيح المؤمنون ضده في الجسد محاولين الإطاحة به من على مدن. فالمؤمنون الذين يحاربون إبليس على هذا المنوال يهزمون أنفسهم في الحقيقة بسبب إتكالهم المستمر على مساعيهم الجسدية. فإما أنهم يصلون بلجاجة لكي ينالوا النصرة التي هي ملكًا لهم بالفعل، أو يحاولون أن يطيحوا بأرواح حاكمة لا يمكن الإطاحة بها قبل الميعاد. والآن دعونا ننظر إلى ذلك المقطع في كورنثوس الثانية في ترجمات مختلفة، حتى نستطيع أن ندرك ما يقصده الكتاب بكلمة “حصون”.

§    إن أسلحة محاربتي ليست أسلحة جسدية، بل قادرة بالله على هدم قلاع. بها أهدم نظريات وأسوار تقاوم معرفة الله، وأستأسر كل خطة لأجعلها تطيع المسيح.

§        ونحن نفند المجادلات ونهدم كل الحواجز التي ترتفع ضد معرفة الله.

§        إننا نصارع لنهدم كل أوهام خادعة وكل حصن غير حقيقي قد أقامة البشر ضد معرفة الله.

§        حقًا إننا نهدم غرور البشر وكل حواجز الكبرياء التي ترفع نفسها ضد معرفة الله الحقيقية.

تستطيع أن ترى بوضوح أن تلك القطعة تتكلم عن أسر أفكار وتخيلات ومجادلات ونظريات واستنتاجات وتصورات خادعة وغرور البشر وأسوار من الكبرياء، وإخضاعها إلى معرفة الله الحقيقية –التي هي كلمة الله. لكن هذا الشاهد لا يخبرني أن آسر الأفكار التي في ذهنك وأهدمها. أستطيع أن أتحكم وأسيطر على أفكاري الشخصية، لكني لا أستطيع أن أسيطر على أفكارك. إن الذهن هو أرض المعركة الأساسية لهجمات إبليس، ومخطط الشيطان ينحصر في إقامة حصون في أفكارنا تعلو مرتفعة “لِمُقَاوَمَةِ مَعْرِفَةِ اللهِ”.

لهذا السبب يحتاج المؤمنون إلى سلاح الله الكامل وهم لابسين خوذة الخلاص وترس الإيمان حتى يستطيعوا أن يحصنوا أنفسهم من هجمات إبليس على أذهانهم. كما يعلمنا الكتاب المقدس أنه علينا أن نكف عن الأفكار الخاطئة ونتوافق مع فكر المسيح في أفكارنا (رومية 8: 29؛ فيلبي 2: 5). فهذه واحدة من أعظم وسائل دفاعنا ضد إبليس.

توجد اليوم مبالغات كثيرة فى بعض الجوانب التي تتعلق بموضوع الحرب الروحية. وهي مبنية بصورة جزئية على سوء تطبيق للشاهد الكتابي المذكور في رسالة كورنثوس الثانية 10: 4، 5 عن “هدم الحصون”، وكذلك للشاهد الكتابي المذكور في رسالة أفسس 6: 12 عن “المصارعة”. لكن ينبغي أن نفسر هذين الشاهدين في سياق النص الذي كُتبا فيه، دون أن نقتلعهما من محتواهما الكتابي لنبني عقائد مُبالغ فيها عن الحرب الروحية. حقًا إني أؤمن بالحرب الروحية والجهاد الروحي، فيما يتعلق بأن نكون مجاهدين في الكرازة عن كلمة الله وحارين في الروح القدس. جاهد في الكرازة بكلمة الله. كن حارًا مجاهدًا لتكرز بالميلاد الثاني ومعمودية الروح القدس والشفاء والحقوق والامتيازات التي أُعطيت للمؤمن في المسيح. كن شجاعًا في الكرازة عن الإيمان والصلاة والتعليم عن الشياطين والأرواح الشريرة. لكن يوجد اليوم تركيز زائد على موضوع الحرب والجهاد الروحي واستبعاد باقي حقائق الكتاب المقدس.. الأمر الذي قد يُوقع الكنيسة في مأزق. حقًا ينبغي أن تكون حارًا في الكلمة والصلاة والكرازة. فالجهاد يعني الحرارة والحماس. لكن عندما يعلِّم البعض أنه على المؤمنين أن يركزوا كل نشاطهم الروحي على شخص إبليس – فهذا أمر خطر وغير كتابي. ويظهر هذا التعليم بوضوح في محاولات البعض ليطيحوا بإبليس من سلطانه على المدن. فكلمة “جهاد” تخرج عن معناها الحقيقي عندما نظن أنه لا يزال علينا أن نكمل شيئًا قد سبق يسوع وأكمله لأجلنا بالفعل. لماذا إذًا يرغب المؤمنون في أن يجردوا إبليس أو السلاطين أو القوات الشريرة؟

إن الحقيقة هي أن يسوع قد جرد الشياطين بالفعل لأجلنا وخلعه من سلطان ملكه (كولوسي 2: 15). ونحن كجسد المسيح نسير فى موكب تلك النصرة، وفى الغلبة التي أحرزها يسوع لأجلنا في الصليب. فدورنا الآن هو أن نظهر ونعلن نسيم تلك النصرة من خلال معرفة كلمة الله (2 كورنثوس 2: 15). وطالما نسير في نور كلمة الله فسوف نسير في غلبة مستمرة كل يوم من أيام حياتنا.

لا نحتاج أن نحقق نصرة على إبليس في معركة ما. فيسوع قد حقق تلك النصرة لأجلنا. ما علينا هو أن نسير ببساطة في نور كلمة الله فيما يتعلق بتلك النصرة، فتُستعلن نصرة يسوع على إبليس في حياتنا اليومية.

إن حقيقة وجود إبليس وجنوده هنا على الأرض لا يجب أن تزعجنا. فسوف يستمر تواجدهم إلى أن ينتهي إيجار آدم على الأرض. لكن على الرغم من وجودهم هنا، إلا أننا نستطيع أن نضاعف من هزيمتهم بكلمة الله. تخبرنا رسالة كولوسي 2: 15 عن يسوع أنه، “نَزَعَ سِلاَحَ الرِّئَاسَاتِ وَالسُّلُطَاتِ، فَضَحَهُمْ جِهَارًا فِيهِ (في يسوع)، وَسَاقَهُمْ فِي مَوْكِبِهِ ظَافِرًا عَلَيْهِمْ”. يحق لنا أن نبتهج ونفتخر في نصرة يسوع.

إن حقيقة أن إبليس لا يزال يسود على حياة كثيرين من خلال حصون خداع لا يعني أنه علينا أن ندخل في معركة معه كما فعل يسوع. بل نستطيع أن نستخدم اسم يسوع في الصلاة لنقيد ونكسر قبضته من على البشر. وعندئذٍ نستطيع من خلال الكرازة بالإنجيل أن نضاعف من هزيمته. فنور كلمة الله يبدد ظلمة خداع إبليس في حياة البشر.

لا نحتاج أن نحارب في الجسد محاولين هزيمة إبليس بطريقة مبالغ فيها عن طريق الصلاة بألسنة قتالية والصياح في وجه إبليس. إذ أن شَّن حرب مع أرواح شريرة في السماويات إنما هو مساعي بشرية لهزيمة عدو هو بالفعل مهزوم. مع ذلك، ففي بعض الدوائر المسيحية اليوم، يبدو أن أمر تجريد الشيطان ونزع سلاحه فوق المدن والدول من خلال معركة روحية وتشفع عنيف هو مطلب حتمي قبل حدوث نهضة أو بشارة مؤثرة في المكان. لكنك لا تستطيع أن تجد مثل ذلك فى الكتاب المقدس. ادرس الأناجيل وسفر الأعمال لترى بنفسك ما فعله يسوع والتلاميذ ليحدثوا نهضة. سيلفت انتباهك شيئًا واحدًا: وهو أن يسوع وتلاميذه لم يهدموا القوى الشيطانية الحاكمة فوق المدن أو الدول بأكملها. فيسوع وتلاميذه قد تعاملوا مع الشياطين فيما يتعلق بالأفراد وحسب.

لقد اكتشفت بقراءتي لسفر الأعمال أمرًا مدهشًا للغاية، وهو أن التلاميذ لا يذكرون أي أشارة أو دليل لنوع من الحروب أو المعارك كما يعلِّم البعض في الكنائس اليوم. كما يدهشك أيضًا أنك لا تجد أحدًا يشن مثل هذه الحروب في سفر الأعمال. كلا، بل سفر أعمال الرسل يظهر لنا كنيسة مدركة لحضور الله وتضع تركيزها وانتباهها في تعليم المؤمنين كيف يدرسوا كلمة الله بأنفسهم حتى يكونوا ناجحين في كل نواحي الحياة – دون أن يكونوا مستَنفذين تمامًا من الصراع مع إبليس.

ادرس بنفسك الحوادث المذكورة في سفر الأعمال لما علِّمه التلاميذ للمؤمنين وما فعله الرسل. وستجدها تضاد كثير من المبالغات التي تُعلَّم وتُمارس في كثير من الدوائر المسيحية في جسد المسيح اليوم. فسفر الأعمال يؤكد على تعليم العقيدة الكاملة والكرازة بالإنجيل لنأتي بالناس إلى ملكوت الله، وليس محاربة الشياطين وهدم الحصون.

لا توجد لدينا شواهد كتابية تؤيد هدم الحصون على مدن ودول، لكن لدينا إثباتات من الكتاب المقدس أنه علينا أن نقيد عمل ومكايد قوات الظلمة وهجماتنا ضدنا (متى 18: 18؛ لوقا 10: 19؛ فيلبي 2: 2، 10). نستطيع أن نفعل ذلك بكلمة الله وفي اسم يسوع. نستطيع أن نثبت ضد العدو بكلمة الله مثلما فعل يسوع (متى 4: 4- 10).

دعونا ننظر لخدمة يسوع لنرى ما فعله – حيث أنه هو وتلاميذه قد قلبوا العالم الذي عاشوا فيه رأسًا على عقب. لكن كيف فعلوا ذلك؟ إن فعلوا ذلك بشن حرب مباشرة مع إبليس فسيكون لدينا إذًا إثباتات كتابية لنفعل ذات الشيء. لكن إن لم يفعلوا، فلا يجب أن نفعل ذلك نحن أيضًا. ينبغي على المؤمنين أن يتبعوا العقيدة التي نراها في العهد الجديد.

هل حاول يسوع أثناء خدمته الأرضية أن يدخل في حرب مع الشياطين؟

لننظر إلى خدمة يسوع لنرى ما فعله ليغير مدنًا وقرى. هل اضطر أن يهدم حصون من خلال “صلاة قتالية” بينما كان ينتقل من مدينة إلى أخرى؟ هل وجد أنه من الضروري أن “يميز” نوع الروح الحاكم على كل مدينة ثم يصنع حربًا معهم؟ وهل علَّم يسوع وتلاميذه الآخرين كيف يميزون الروح الحاكم على كل مدينة لكي يهدموا حصونًا؟ كلا، فنحن لا نجد شاهدًا كتابيًا يظهر أنهم فعلوا ذلك.

ادرس الأناجيل بنفسك وستكتشف أن هدف ومركز خدمة يسوع كان في تنقله من موضع إلى آخر يعلَّم ويكرز بالإنجيل.. بكلمة الله (متى4: 23 – 9: 35 – لوقا13: 22). لقد وضع كلمة الله أولاً، والكلمة هي التي حررت الناس من سيادة إبليس.

لوقا 4: 18، 19

18 رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْفُقَرَاءَ؛ أَرْسَلَنِي لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاقِ وَلِلْعُمْيَانِ بِالْبَصَرِ، لأُطْلِقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا

19 وَأُبَشِّرَ بِسَنَةِ الْقَبُولِ عِنْدَ الرَّبِّ.

لقد أُرسِل يسوع لكي يعلِّم ويكرز بالإنجيل، لا لكي يركز على هدم حصون فوق مدن وقرى. لقد كانت الكرازة والتعليم بالإنجيل هو الذي هدم الحصون في حياة البشر. فلو كان من الممكن هدم الحصون فوق المدن، لكان يسوع علَّم الناس أن يفعلوا ذلك – لكنه لم يفعل ذلك. فالكتاب يقول أن يسوع حرر الأسرى من عبودية إبليس من خلال تعليمه للناس بما تقوله الكلمة والسلوك فى نور المعرفة (يوحنا 8: 32). نحتاج أن نفعل ما فعله يسوع: أن نكرز بالتحرير عن طريق البشارة بالإنجيل. لاحظ أن لوقا 4: 18 لا يخبرنا أن يسوع كان يصلي لتحرير المأسورين، بل كان يبشر بالتحرير. بمعنى آخر، كان يخبر الناس بما تقوله الكلمة، “فَإنْ حَرَّرَكُمُ الابْنُ (الكلمة)، تَكُوْنُوْنَ حَقًّا أَحرَارًا” (يوحنا 8: 36). إنها الكلمة هي التي حررت الناس. بالإضافة إلى ذلك، فأنه في الشواهد الكتابية التي لدينا يُذكر أن يسوع كان يصلي للآب (متى 11: 25؛ لوقا 23: 34؛ يوحنا 11: 41، 17: 1).

هل حاولت الكنيسة المبتدئة أن تقيم حربًا مع الشياطين فوق المدن؟

اقرأ سفر الأعمال بنفسك لترى إن كان هناك شاهد معين يذكر أن التلاميذ جعلوا هدفهم أن يحاربوا الرئاسات الشيطانية السائدة فوق المدن والمناطق والدول.

في الحقيقة، عندما اجتمعت الكنيسة المبتدئة معًا وتكلموا بألسنة، يقول الكتاب أنهم كانوا يخبرون بأعمال الله العظيمة، “هَا نَحنُ نَسمَعُ هَؤُلاَءِ الرِّجَالَ الجَلِيلِيِّيْنَ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ أَعمَالِ اللهِ العَجِيبَةِ فِي لُغَاتِنَا نَحنُ” (أعمال 2: 11). لم يكونوا يحاربون الشياطين بالألسنة أو كانوا يهدمون حصونًا فوق أورشليم، بل كانوا يعظِّمون الله. كان الله هو محور صلاتهم.

والآن دعونا ننظر إلى أمثلة كتابية تبين لنا كيف صلى المؤمنون عندما واجهوا اضطهادًا عظيمًا من إبليس. هل حاربوا وصارعوا ضد شياطين عندما قاومهم إبليس؟ كلا، لم يفعلوا ذلك. على سبيل المثال، نقرأ في سفر الأعمال 16: 25 أن بولس وسيلا تغلبا على اضطهاد العدو بالصلاة والتسبيح لله. لقد واجه بطرس ويوحنا هجومًا آخر من خلال البشر (أعمال 4: 3، 5-7). لقد أُمرا بألا يكرزا أو يعلما مرة أخرى باسم يسوع (أعمال 4: 18).

وعندما أُطلق سراح بطرس ويوحنا في النهاية، ذهبا إلى جماعتهما وصلوا إلى الله. وفقًا لسفر الأعمال، لم يصنع المؤمنون حربًا بالألسنة ضد الرئاسات أو القوات السماوية. لم “يشنوا” حربًا ضد إبليس أو يهدموا حصون التدين فوق المدينة. لكن ماذا فعلوا؟

أعمال 4: 24

24 فَلَمَّا سَمِعُوا، رَفَعُوا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ صَوْتًا إِلَى اللهِ وَقَالُوا: أَيُّهَا السَّيِّدُ، أَنْتَ هُوَ الإِلهُ الصَّانِعُ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَالْبَحْرَ وَكُلَّ مَا فِيهَا.

لم يعظِّموا من المشكلة أو من إبليس. إنما مجَّدوا وعظَّموا الله. لا أقصد أن تسبيحهم وعبادتهم لم تؤثر بطريقة غير مباشرة على المقاومة الروحية التي شنها إبليس ضدهم. لكني أقول أنها لم تكن محور اهتمامهم الأول. إنه لأمر محزن أن يقضي بعض المؤمنين معظم أوقاتهم في الصلاة ضد إبليس أو في الكلام عنه. عندما تصغي إليهم يتولد لديك اعتقاد بأن يسوع كان إنسانًا مسكينًا لم يكمل أي شيء عندما مات وقام من الموت وجرد الرياسات والسلاطين جاعلاً إياهم لا شيء (كولوسي2: 14، 15). لا يوجد شيء يسلب تسبيح الله من صلاتك مثل تركيز كل انتباهك على إبليس.

عندما واجهت الكنيسة المبتدئة اضطهادًا عظيمًا في سفر الأعمال الإصحاح الرابع، رفع هؤلاء المؤمنون أصواتهم إلى الله في إيمان. لقد ثبتوا في الإيمان ولم يحاولوا إن يحاربوا إبليس في الصلاة. لقد تكلموا عن عظمة الله وكم تبدو قوته، ثم استشهدوا بكلمته في الصلاة (أعمال 4: 25-28). فى الحقيقة، منذ العدد الخامس والعشرين إلى الثامن والعشرين والمؤمنون يتكلمون عن عظمة الله وروعة الأمور التي فعلها. ثم استشهدوا بما قالته كلمة الله بخصوص موقفهم.

أعمال 4: 25- 28

25 وَأَنتَ قُلْتَ بِالرُّوحِ القُدُسِ عَلَى لِسَانِ أَبِينَا دَاوُدَ: لِمَاذَا اشتَعَلَ غَضَبُ الأُمَمِ، وَلِمَاذَا تَتَآمَرُ الشُّعُوبُ عَبَثًا؟

26 أَعَدَّ مُلُوكُ الأَرضِ أَنفُسَهُمْ لِلمَعرَكَةِ. وَاجتَمَعَ الحُكَّامُ مَعًا عَلَى الرَّبِّ وَعَلَى مَسِيحِهِ.

27 وَقَدِ اجتَمَعَ بِالفِعلِ هِيرُودُسُ وَبِيلاَطُسُ البُنطِيُّ مَعًا فِي هَذِهِ المَدِينَةِ مَعَ اليَهودِ وَغَيرِهِمْ مِنَ الأُمَمِ عَلَى فَتَاكَ القُدُّوسِ يَسُوعَ الَّذِي مَسَحتَهُ

28 لِكَي يُتَمِّمُوا كُلَّ مَا سَبَقَ أَنْ قَضَيتَ بِهِ بِقُوَّتِكَ وَإرَادَتِكَ.

وفي النهاية، ذكروا مشكلتهم في العدد التاسع والعشرين. لكن نلاحظ أنه على الرغم من أن تلك الصلاة بأكملها تمتد من العدد الخامس والعشرين إلى العدد الثلاثين، إلا أنهم تكلموا عن مشكلتهم في العدد التاسع والعشرين فحسب.

أعمال 4: 29، 30

29 وَالآنَ يَا رَبُّ، اُنظُرْ إلَى تَهدِيدَاتِهِمْ، وَمَكِّنْ عَبيدَكَ مِنَ التَّكَلُّمِ بِرِسَالَتِكَ بِكُلِّ شَجَاعَةٍ.

30 بمُدَّ يَدَكَ لِلشِّفَاءِ، وَاصْنَعْ مُعْجِزاتٍ وَعَجَائِبَ بِاسْمِ فَتَاكَ القُدُّوسِ يَسُوعَ.

لقد تحدث هؤلاء المؤمنين إلى الله.. لا إلى الشياطين، على الرغم من أن إبليس هو الذي وراء تلك المشكلة. والأمر الأساسي الذي طلبوه من الله فيما يتعلق بمشكلتهم هو أن يمنحهم شجاعة ليكرزوا بالكلمة مع آيات وعجائب تابعة. كانوا يعلمون أن كلمة الله هي التي ستغير الناس والظروف (يوحنا 8: 32).

نرى في صلاة الكنيسة المبتدئة الطريقة الكتابية لنصلي كجسـد المسيـح عندمـا نواجـه

مقاومة من قوى الظلام. إذ نتوجه بصلواتنا إلى الله طالبين أن يمنحنا جراءة لإعلان الحق حتى تستطيع كلمة الله أن تحرر الناس من سلطان إبليس. والأكثر من ذلك، أننا نلاحظ أنهم لم يسألوا الله أي شيء بخصوص إبليس.

عندما تشتت الكنيسة المبتدئة بسبب الاضطهاد العظيم، توجه المؤمنون إلى كل مكان ليكرزوا بالكلمة، دون أن يخوضوا حربًا مباشرة مع شياطين: “وَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ” (أعمال 8: 4). لو كان الأمر يتطلب هدم حصون، لكانت الكنيسة وثقت في الله وفي كلمته لتحقيق ذلك. وعندما كان بطرس في السجن، لم يحاول المؤمنون الذين كانوا يصلون لأجله أن يحاربوا شياطين التدين فوق أورشليم. إنما قدموا توسلاً حارًا لله من أجل بطرس.

أعمال 12: 5

5 فَكَانَ بُطرُسُ مُحتَجَزًا فِي السِّجنِ. أَمَّا الكَنِيسَةُ فَكَانَتْ تَرفَعُ إلَى اللهِ صَلَوَاتٍ حَارَّةً مِنْ أَجلِهِ.

ماذا حدث عندما تجمع الأنبياء والمعلمين في أنطاكيا؟ هل دخلوا في حرب روحية وقضوا وقتهم في معركة روحية قبل أن يرسلوا بولس وبرنابا لأجل عمل الخدمة؟

أعمال 13: 2

2 وَذَاتَ يَوْمٍ، وَهُمْ صَائِمُونَ يَتَعَبَّدُونَ لِلرَّبِّ، قَالَ لَهُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ: ‘خَصِّصُوا لِي بَرْنَابَا وَشَاوُلَ لأَجْلِ الْعَمَلِ الَّذِي دَعَوْتُهُمَا إِلَيْهِ’.

كلا، بل خدموا وعبدوا الرب ولم يحاربوا شياطين. كثيرًا ما لا يعرف المؤمنون شيئًا عن التعبد لله، بل يقضون كل أوقاتهم محاولين خوض حرب مع عدو مهزوم.

عندما يبدأ المؤمنون يعبدون الرب، تبدأ أمور خارقة للطبيعة في الحدوث. فهم يخلقون بهذا مناخًا يستطيع الروح القدس من خلاله أن يتكلم، “وَهُمْ صَائِمُونَ يَتَعَبَّدُونَ لِلرَّبِّ… قَالَ الرُّوحُ الْقُدُسُ” (ع 2). كذلك أيضًا تكلم يسوع إلى يوحنا في جزيرة بطمس عن كنيسة حقيقية وجدت في مدينة برغامس في ذلك الوقت. كانت برغامس حصنًا للشيطان، لكن يسوع لم يقل شيئًا عن محاربة قيادات شيطانية فوق تلك المدينة. بالتاكيد لو كان شن حرب روحية، نصارع فيها إبليس ونهدم حصون فوق مدن، أمرًا كتابيًا، لكان يسوع قد ذكر ذلك هنا.

رؤيا 2: 12، 13

12 اكتُبْ إلَى مَلاكِ كَنِيسَةِ بَرْغَامُسَ: هَكَذَا يَقُولُ صَاحِبُ السَّيفِ المَاضِي ذِي الحَدَّينِ:

13 أَنَا أَعلَمُ أَينَ تَسكُنُ. أنتَ تَسكُنُ حَيثُ كُرسِيُّ الشَّيطَانِ! لَكِنَّكَ مَازِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسمِي، وَلَمْ تَتَخَلَّ عَنْ إيمَانِكَ بِي، حَتَّى فِي الفَترَةِ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا شَاهِدِي الأَمينُ أَنْتِيبَاسُ فِي مَدِينَتِكُمْ حَيثُ يَسكُنُ الشَّيطانُ.

مع أن يسوع قال أن الكنيسة التي في برغامس توجد حيث “كرسي الشيطان”، إلا أن يسوع لم يوصِ المؤمنين هناك بإقامة حرب ضده. كلا، بل أمر المؤمنين أن يتمسكوا باسمه ولا ينكروا الإيمان (ع 13). بمعنى آخر، كان يشجعهم على الثبات في الإيمان.

هل حاول التلاميذ أن يقيموا حربًا ضد الشياطين السائدة فوق المدن؟

لننظر إلى مواضع أخرى في العهد الجديد لنرى ما فعله التلاميذ عندما كانوا ينتقلون من مدينة إلى مدينة. كان هؤلاء الرجال مختارين بعناية من قِبَل يسوع. لكننا لا نجد أي شاهد كتابي يقول أن التلاميذ كانوا يجولون يهدمون الحصون فوق المدن التي كانوا يدخلونها، وكذلك لا تجد شاهدًا يقول أنهم علَّموا الآخرين هكذا.

فى أورشليم

عندما صعد بطرس ويوحنا إلى الهيكل، كان اسم يسوع هو الذي شفى الرجل الذي كان مقعدًا منذ ولادته.

أعمال 3: 6، 16

فَقَالَ بُطْرُسُ: «لاَ فِضَّةَ عِنْدِي وَلاَ ذَهَبَ، وَلَكِنِّي أُعْطِيكَ مَا عِنْدِي: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ!»

16 وَاسمُ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي وَهَبَ قُوَّةً لِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي تَرَونَهُ وَتَعرِفُونَهُ، إذْ آمَنَّا بِاسمِهِ. فَالإيمَانُ بِيَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَعطَى شِفَاءً تَامًّا لِهَذا الرَّجُلِ أَمَامَكُمْ جَمِيعًا. 

لاحظ أن اسم يسوع كان موضع تساؤل ورهبة للقادة المتدينين في تلك الأيام (أعمال 4: 10-12). لأنه في ذلك الاسم يملك المؤمنون سلطانًا على الشيطان. بمعنى آخر، كان التلاميذ يعلِّمون عن القوة والسلطان المذخرين في اسم يسوع (أعمال 4: 15-20). فذلك الاسم يمثل كل سلطان يسوع وكل ما أنجزه عندما قام منتصرًا فوق الموت والجحيم والقبر.

أعمال 6: 7

7 وَكَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ تَنْمُو، وَعَدَدُ التَّلاَمِيذِ يَتَكَاثَرُ جِدًّا فِي أُورُشَلِيمَ، وَجُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنَ الْكَهَنَةِ يُطِيعُونَ الإِيمَانَ.

من المدهش أن نلاحظ أنه عندما نمت كلمة الله، تضاعف عدد التلاميذ. إن أراد المؤمنون أن يحدثوا ضررًا كبيرًا لمملكة الشيطان، فعليهم أن يخرجوا ويكرزوا بالكلمة.

إن كلمة الله قادرة على أن تحرر الناس. لم يتحدث التلاميذ ولو لمرة واحدة في مدينة أورشليم عن هدم حصون أو الإطاحة بحكام سائدون فوق المدن عن طريق الصلاة بألسنة قتالية أو الصياح في وجه إبليس.

في الحقيقة، لو بحثت في سفر الأعمال لتستكشف ما كان التلاميذ يعلِّمون به بينما كانوا يسافرون من موضع إلى موضع، ستجد أن التلاميذ كانوا يعلِّمون عن اسم يسوع، ويعلِّمون بكلمة الله ويكرزون بالإنجيل والخلاص عن طريق يسوع المسيح. فى كل مرة، كان قبول كلمة الله والسلوك بموجبها هو الذي يُخرِج الناس من تحت سيادة إبليس.

هل حاول بولس أن يهدم حصونًا فوق المدن؟

لنرى ما فعله بولس الرسول أثناء سفره عندما كان يواجه حصونًا في مدن معينة. قبل كل شيء، لابد أن ندرك أن رجل الإيمان العظيم هذا قد كتب معظم العهد الجديد. فإن كان هدم الحصون فوق المدن من خلال الألسنة القتالية أو الصياح ضد إبليس أمرًا كتابيًا، لذكره بولس حتمًا، أو مارسه فى المدن الذي ذهب إليها.

بولس في دمشق

هل حاول بولس هدم حصون فوق مدينة دمشق؟ كلا، فبعد تجديده مباشرة، بدأ يكرز عن يسوع. كان يسوع المسيح هو محور تعليم بولس – وليس الشيطان أو هدم الحصون.

أعمال 9: 20، 22، 27، 29

20 وَفِي الْحَالِ بَدَأَ يُبَشِّرُ فِي الْمَجَامِعِ بِأَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ

22 وَأَمَّا شَاوُلُ فَقَدْ صَارَ أَكْثَرَ حَمَاسَةً فِي وَعْظِهِ، فَكَانَ يُفْحِمُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ بِبَرَاهِينِهِ الَّتيِ كَانَ يُبَيِّنُ بِهَا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ.

27 فَتَوَلَّى بَرْنَابَا أَمْرَهُ وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ ظَهَرَ الرَّبُّ لَهُ فِي الطَّرِيقِ وَكَلَّمَهُ، وَكَيْفَ بَشَّرَ بِجُرْأَةٍ بِاسْمِ يَسُوعَ فِي دِمَشْقَ

29 وَكَانَ يُخَاطِبُ الْيَهُودَ الْيُونَانِيِّينَ وَيُجَادِلُهُمْ، فَحَاوَلُوا أَنْ يَقْتُلُوهُ.

نلاحظ أن بولس قد عظَّم ورفَّع من اسم يسوع عاليًا. إن اسم يسوع هو الذي يحطم الحصون في تفكير الناس وحياتهم. لقد علَّم بولس المؤمنين أن يمجِّدوا قوة يسوع وعظمته. لكن عندما يركز البعض في تعليمهم على هدم الحصون ومصارعة إبليس، يصبح انشغالنا بإبليس وأفعاله. وبهذا نعظِّم إبليس ونفتح بابًا له. لكن عندما يعظِّم المؤمنون الله، فأنهم يعطونه مدخلاً لحياتهم وقلوبهم.

عندما نقرأ عن تنقلات بولس في المدن والقرى في ذلك اليوم، فأن أول شيء نلاحظه في خدمته هو أنه كان يثبِّت المؤمنين في الإيمان. لا نجد شاهدًا كتابيًا واحدًا يذكر فيه بولس أنه صنع حربًا ضد الشيطان.

أعمال 16: 4، 5

4 وَأَخَذَ بُولُسُ وَرِفَاقُهُ يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى أُخْرَى، يُبَلِّغُونَ الْمُؤْمِنِينَ التَّوْصِيَاتِ الَّتِي أَقَرَّهَا الرُّسُلُ وَالشُّيُوخُ فِي أُورُشَلِيمَ، لِكَيْ يَعْمَلُوا بِهَا.

5 فَكَانَتِ الْكَنَائِسُ تَتَقَوَّى فِي الإِيمَانِ، وَيَزْدَادُ عَدَدُهَا يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ.

وعندما ثبت المؤمنون في الإيمان وترسخوا، يقول الكتاب أن أعدادهم كانت تزداد يوميًا. في أي مكان يُكرز فيه بكلمة الله، سوف تزداد أعداد النفوس التي تُقبل لملكوت الله. هذه هي الطريقة الكتابية “لهدم الحصون”.. عن طريق الكرازة بالإنجيل، التي تحطم الحصون في حياة الناس عندما يقبلون الخلاص.

بولس في فيلبي

هل حاول بولس أن يهدم حصونًا فوق مدينة فيلبي؟ لقد كانت فيلبي هي المدينة التي فيها توجب على بولس أن يتعامل مع شيطان يثير مشاكل من خلال جارية شابة.

أعمال 16: 16-18

16 وَذَاتَ يَوْمٍ كُنَّا ذَاهِبِينَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَالْتَقَتْ بِنَا خَادِمَةٌ يَسْكُنُهَا رُوحُ عِرَافَةٍ، كَانَتْ تُكْسِبُ سَادَتَهَا رِبْحًا كَثِيرًا مِنْ عِرَافَتِهَا

17 فَأَخَذَتْ تَسِيرُ وَرَاءَ بُولُسَ وَوَرَاءَنَا صَارِخَةً: ‘هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ، يُعْلِنُونَ لَكُمْ طَرِيقَ الْخَلاَصِ’

18 وَظَلَّتْ تَفْعَلُ هَذَا أَيَّامًا كَثِيرَةً، حَتَّى تَضَايَقَ بُولُسُ كَثِيرًا، فَالْتَفَتَ وَقَالَ لِلرُّوحِ الَّذِي فِيهَا: ‘بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا!’ فَخَرَجَ حَالاً.

كان روح شرير يستخدم تلك الخادمة ليعيق خدمة التلاميذ في تلك المدينة. كانت تلك السيدة عليها روح عرافة، وكان ذلك الروح بداخلها يعرف حقيقة التلاميذ. لكن نلاحظ أن بولس قد تعامل فقط مع الروح الذي كان يدفع تلك المرأة لتصرخ وراءه مسببًا إزعاجًا.

لكنه لم يتعامل مع أي حصون فوق تلك المدينة. لقد تبعت تلك المرأة التلاميذ لأيام كثيرة وكان الروح الذي فيها يصرخ في كل مكان: “هَؤُلاَءِ النَّاسُ هُمْ عَبِيدُ اللهِ الْعَلِيِّ، يُعْلِنُونَ لَكُمْ طَرِيقَ الْخَلاَصِ” (ع 17). ما قالته تلك الخادمة كان أمرًا حقيقيًا، لكن لا أحد يريد أن يشهد إبليس عنه. كان أمرًا مزعجًا أن يعلن إبليس عنهما هكذا. لكن لماذا لم ينتهر بولس ذلك الروح الشرير في اليوم الأول أو حتى في اليوم الثاني؟ السبب في ذلك هو أن موهبة تمييز الأرواح لم تعمل عندما أرادها بولس أن تعمل، لكنها عملت عندما شاء الروح القدس ذلك (1 كورنثوس 12: 11). إلى أن عملت موهبة تميز الأرواح، كان بولس شخصًا عاديًا تمامًا مثل أي واحد منا، غير قادر على التعامل مع هذا الموقف على وجه التحديد.

لقد انتظر بولس أن يعطيه روح الله استنارة في العالم الروحي قبل أن يفعل أي شيء يتعلق بالروح الشرير المسبب لذلك الإزعاج. فبولس لم يقيد عمل الروح الشرير ضده وضد الكرازة وحسب، إنما أخرج ذلك الشيطان من الخادمة. كان بولس يحتاج للمسحة ولعمل مواهب الروح القدس ليحرر تلك السيدة من الشيطان. وبمجرد أن عملت موهبة تمييز الأرواح، تكلم بولس في الحال إلى الروح الشرير الذي يعمل من خلال تلك المرأة: “بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمُرُكَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهَا” (أعمال 16: 18). يقول الكتاب، “فَخَرَجَ حَالاً” (ع 18). لم يستغرق الأمر من بولس عدة ساعات من الصياح ليخرج ذلك الشيطان من المرأة. ولم يحاول بولس أن يجرد الروح الحاكم فوق مدينة فيلبي بسبب تلك الحادثة. بل كل ما فعله بولس هو أنه تكلم إلى للشيطان في اسم يسوع وآمره بأن يخرج، فخرج في تلك الساعة.

يكمن المفتاح في تلك الحادثة هو أن بولس انتظر حتى ينال استنارة الروح القدس قبل أن يتصرف. بمعنى آخر، استطاع أن يتعامل مع ذلك الروح الشرير عندما صار في الروح –تحت قوة ومسحة الروح القدس– حتى تحررت تلك المرأة. كذلك أنت أيضًا تحتاج أن تعتمد على الروح القدس مثلما فعل بولس.

لكن ما يحدث في بعض الدوائر المسيحية اليوم هو أن المؤمنين يصرخون ويصيحون على إبليس، ولا يحدث الكثير. هذا لأنهم يحاولون أن يتعاملوا مع إبليس بطاقة الجسد. إنها مسحة الروح القدس وقوته هي التي تكسر نير عبودية إبليس (إشعياء 10: 27). إن مسحة الروح القدس توجد فى كلمة الله. لذلك لن نجد أي مسحة لتتعامل مع الشيطان ما لم تقضي وقتًا لتغرس كلمة الله في قلبك. ولن تعمل قوة الله فى حياتك ما لم تكن عاملاً بالكلمة.

لا يأخذ بعض المؤمنين وقتًا ليخبئوا كلمة الله في قلوبهم بالدراسة والقراءة والتأمل فيها، لذلك تجد أن كلمة الله ليست ثابتة فيهم. وعندما يحاولون أن يحاربوا إبليس بطاقة الجسد، لا ينجح الأمر. لا تستطيـع أن تحـارب إبليـس بالجسـد.. بالصـراخ والصيـاح. فأولئـك

الذين يفعلون ذلك ينهكون أنفسهم. يقول الكتاب المقدس: “فَالْمَوْلُودُ مِنَ الْجَسَدِ هُوَ جَسَدٌ، وَالْمَوْلُودُ مِنَ الرُّوحِ هُوَ رُوحٌ” (يوحنا 3: 6). إن إبليس والشياطين كائنات روحية، لهذا السبب لا تستطيع أن تتعامل معهم بطاقة الجسد وتنجح. لذلك على المؤمنين أن يدركوا أنهم يحتاجون أن يتعاملوا مع الأمور في عالم الروح عن طريق الروح القدس وبكلمة الله.

لم يستطع بولس أن يفعل أي شيء –مثلي ومثلك– بدون مسحة الروح. فنحن نعتمد كليًا على كلمة الله وعلى مسحة الروح القدس.

مرقس 16: 17، 20

17 وَهذِهِ الآيَاتُ تَتْبَعُ الْمُؤْمِنِينَ: يُخْرِجُونَ الشَّيَاطِينَ بِاسْمِي..

20 وَأَمَّا هُمْ فَخَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَالرَّبُّ يَعْمَلُ مَعَهُمْ وَيُثَبِّتُ الْكَلاَمَ بِالآيَاتِ التَّابِعَةِ. آمِينَ.

ماذا أخبر يسوع التلاميذ بشأن إخراج الشياطين؟ هل قال يسوع أنه سيؤيد ذلك بآيات وعجائب تابعة عندما يصرخ التلاميذ بالألسنة ضد إبليس؟ أو أنه سيؤيد كلمته بالآيات والعجائب عندما يشارك التلاميذ باختباراتهم الروحية؟ حتمًا لا.

يقول الكتاب أن يسوع كان يعمل مع تلاميذه مؤيدًا الكلمة التي يكرزون بها بالآيات التابعة. أخبرهم أن يكرزوا بالكلمة والآيات سوف تتبعهم (مرقس 16: 20). ضع كلمة الله أولاً ولا تقلق بشأن الآيات التابعة، بما في ذلك إخراج الشياطين. فمن ضمن الآيات التي قال يسوع أنها ستتبع الكلمة هي أن المؤمنين سوف يخرجون الشياطين (مرقس 16: 17).

بولس في أثينا

كانت مدينة أثينا من المدن الكبرى وكان الفجور يسود فيها. لكن ماذا علَّم بولس المؤمنين أن يفعلوه تجاه الحصون الروحية فوق تلك المدينة؟

أعمال 17: 15، 16

15 وَرَافَقَ الإِخْوَةُ بُولُسَ حَتَّى أَوْصَلُوهُ إِلَى أَثِينَا، ثُمَّ رَجَعُوا بَعْدَمَا أَوْصَاهُمْ بُولُسُ بِأَنْ يَلْحَقَ بِهِ سِيلاَ وَتِيمُوثَاوُسُ بِأَسْرَعِ مَا يُمْكِنُ.

16 وَبَيْنَمَا كَانَ بُولُسُ يَنْتَظِرُهُمَا فِي أَثِينَا رَأَى الْمَدِينَةَ مَمْلُوءَةً أَصْنَامًا فَتَضَايَقَتْ رُوحُهُ.

كانت مدينة أثينا قد أقامت تماثيل مختلفة لآلهة كثيرة في معبد أريوس باغوس. يقول الكتاب أن بولس لاحظ أن مدينة أثينا كانت مملوءة بالأصنام (ع 16). فتضايقت روحه لأجل الحصون التي رآها في تلك المدينة. لكن ماذا فعل بولس بشأن الأصنام والحصون في تلك المدينة؟ هل شَّن حربًا روحية ضد “الحاكم الروحي” لآلهة أريوس باغوس فى السماويات؟ كلا، فالكتاب يخبرنا بالتحديد ماذا فعل: كان يكرز ويعظ للناس بالإنجيل.

أعمال 17: 17، 22، 23

17 وَأَخَذَ يُخَاطِبُ الْيَهُودَ وَالْمُتَعَبِّدِينَ فِي الْمَجْمَعِ وَمَنْ يَلْقَاهُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي سَاحَةِ الْمَدِينَةِ..

22 فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ الأريُوبَاغُوسِ (أريوس باغوس)، وَقَالَ: يَا أَهْلَ أَثِينَا، أَرَاكُمْ مُتَدَيِّنِينَ كَثِيرًا فِي كُلِّ أَمْرٍ.

23 فَبَيْنَمَا كُنْتُ أَتَجَوَّلُ فِي مَدِينَتِكُمْ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعَابِدِكُمْ وَجَدْتُ مَعْبَدًا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ ‘إِلَى الإِلهِ الْمَجْهُولِ’. فَبِهَذَا الإِلَهِ الَّذِي تَعْبُدُونَهُ وَلاَ تَعْرِفُونَهُ، أَنَا أُبَشِّرُكُمْ.

وفقًا لسفر الأعمال، لم يحاول بولس هدم أي حصون شيطانية فوق تلك المدينة. لكنه كرز بالإنجيل وعلَّم عن يسوع (أعمال 17: 31، 32). ولم يذكر بولس أي شيء عن إبليس في كرازته. من آمنوا بما قاله بولس، خلصوا. وهكذا هدم بولس حصون في حياة البشر. لقد كرز بالكلمة حتى خلصوا، ومن بعدها لم يعد لإبليس أي سيادة شرعية عليهم.

بولس في أفسس

نرى في سفر الأعمال الإصحاح التاسع عشر خدمة بولس في أفسس. كان شعب أفسس قد صنعوا تماثيل للإلهة أرطاميس وباعوها. فعندما جاء بولس للمدينة يكرز عن يسوع المسيح، شعروا أن تجارتهم مهددة بالخطر. فثاروا ضد بولس ليصنعوا شغبًا ويعوقوه عن الكرازة بالكلمة. لا شك أنه كان هناك روح شرير يسود على تلك المدينة وهو الذي أثار الشعب ليقوموا ضد بولس. لكن بولس لم يعلن عن شن هجوم روحي مسلح لهدم “روح أرطاميس”. لقد كان ديمتريوس الصائغ هو الذي لفت الانتباه إلى الإلهة أرطاميس وليس بولس. كان بولس مشغولاً بجذب انتباه الشعب ليسوع وبالكرازة حتى يخرج الناس من تحت سيادة إبليس.

أعمال 19: 8-10، 20

8 وَأَخَذَ بُولُسُ يُدَاوِمُ عَلَى الذَّهَابِ إِلَى الْمَجْمَعِ مُدَّةَ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ، يَتَكَلَّمُ بِجُرْأَةٍ فَيُنَاقِشُ الْحَاضِرِينَ وَيُحَاوِلُ إِقْنَاعَهُمْ بِالْحَقَائِقِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ.

9 وَلَكِنَّ بَعْضَهُمْ عَانَدُوا وَلَمْ يَقْتَنِعُوا، وَأَخَذُوا يَشْتِمُونَ الطَّرِيقَ أَمَامَ الْمُجْتَمِعِينَ. فَانْفَصَلَ بُولُسُ عَنْهُمْ، وَانْفَرَدَ بِالتَّلاَمِيذِ، وَبَدَأَ يَعْقِدُ مُنَاقَشَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ فِي مَدْرَسَةِ رَجُلٍ اسْمُهُ تِيرَانُّوسُ،

10 وَدَاوَمَ عَلَى ذَلِكَ مُدَّةَ سَنَتَيْنِ. وَهَكَذَا وَصَلَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى جَمِيعِ سُكَّانِ مُقَاطَعَةِ أَسِيَّا مِنَ الْيَهُودِ وَالْيُونَانِيِّينَ

20 بِهَذِهِ الصُّورَةِ كَانَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ تَنْتَشِرُ وَتَقْوَى بِاقْتِدَارٍ.

 كان عبادة الإلهة أرطاميس تسيطر على مدينة أفسس، فكان هناك معابد لأرطاميس في كل مكان. كانت هي الإلهة السائدة على تلك المدينة، بالإضافة إلى بعض الإلهة الأخرى في معابد أخرى. فقد كانت العبادة الوثنية تغلب على المدينة. لكن بولس تعامل مع تلك الحصون الشيطانية عن طريق الكرازة بكلمة الله. استغرقه الأمر سنتين، لكن الكتاب يقول أن كلمة الله نمت وتعظمت جدًا. فآمن كثيرون جدًا بكلمة الله التي كرز بها بولس حتى أن الكلمة ابتدأت تتعظم في حياتهم. لقد تعظمت كلمة الله في تلك المدينة بأن قبل أهلها الإنجيل وجعلوا يسوع المسيح ربًا على حياتهم.

لقد ابتدأت الكنيسة في يوم الخمسين بمائة وعشرين شخص. وبقراءة سفر الأعمال نرى بوضوح محاولات الشيطان ليعيق الكنيسة المبتدئة عن النمو. وقد هاجم الشيطان الكنيسة المبتدئة من كل ناحية باضطهاد وتجارب ومحن. فقد حاول الشيطان أن يدمر الكنيسة في مهدها. لكن المؤمنين تغلبوا عليه بكلمة الله. ولأن الكلمة تعظمت، كان الرب يضيف للكنيسة كل يوم أولئك الذين يخلصون (أعمال 2: 47).

يستخدم إبليس ذات المكائد والخطط اليوم –من تجارب ومحن– كالتي استخدمها في أيام الكنيسة المبتدئة. ولا يزال يحاول أن يعيق تأثير الكنيسة في نشر الإنجيل. لكن الكتاب يقول أن أبواب الجحيم لن تقوى ضد الكنيسة (متى 16: 18). لكن الكنيسة لا يزال لديها اليوم ذات السلاح الذي استخدمه المؤمنون الأوائل ضد الشيطان حتى يقاوموا بنجاح هجماته ويحتفظوا بنصرة عليه.

نستطيع أن نتغلب على خطط العدو مثلما فعلت الكنيسة المبتدئة، ليس بتركيز انتباهنا على محاربة عدو مهزوم أو محاولة هدم حصون شيطانية فوق المدن، بل بأن نصلي بطريقة كتابية. لدينا سلطان لنقيد الرئاسات وقوات الشر التي تعمل ضدنا. كما نستطيع أيضًا أن نصلى لله حتى تنفتح قلوب البشر للإنجيل، وبعد ذلك نخرج ونكرز بالكلمة ونخبر الناس عن حقوقهم الشرعية في المسيح حتى يتحرروا.

بجانب ذلك، هل ذهبت لتلك الدول حيث يُفترض أن بعضًا قد هدموا حصون شيطانية فوقها؟ قد يدهشك أنه بعدما “هدموا تلك الحصون”، فأنها لا تزال موجودة هناك. هذا لأن كلمة الله وحدها هي التي تغير البشر وتؤثر في الدول وتخرج الناس من تحت سيادة إبليس وعبوديته حتى يستطيعوا أن يتعلموا كيف يثبتوا ضده.

‘تعذيب’ إبليس

بينما استعرض بعض الطقوس التي تُمارس ضد إبليس وقد ثبت عدم نجاحها بل وضررها لجسد المسيح، فجدير بالذكر أنه يوجد طقس آخر يحدث دمارًا في بعض الكنائس اليوم. أخبرني أحد الرعاة مؤخرًا عن “مدرسة التحرير” التي حضرها، لكني أدعوها “مدرسة العبودية”. لقد رأيتهم جميعًا يتحولون في النهاية إلى مدارس للعبودية، لأنهم يعلِّمون الناس كيف يزداد إدراكهم لإبليس ويخافون منه. فتلك المدارس ليست بدعة جديدة، فقد رأيتها منذ سنوات مضت.

قال لي هذا الراعي: “كنت أعتقد أنها مدرسة للكتاب المقدس، وأن الخادم هناك سوف يعلِّمون عن مواضيع كتابية. لكنهم لم يعلِّموا شيئًا على الإطلاق. وظلوا لأكثر من أربع ساعات يصرخون ويصيحون ضد إبليس بأعلى أصواتهم. كانوا يقولون أنهم ‘يعذبون إبليس’. فجلست هناك ولم أنتفع بشيء على الإطلاق من كل هذا”.

لا أقصد أن نزدري بهذا، لكني أدعوه جهل. فأولئك الذين في “مدرسة التحرير” يشبهون أولئك الجالسون يطقطقون الصوابع دون أن ينجزوا أي شيء. فمحاولة تعذيب عدو مهزوم بالصياح عليه هو فشل في إدراك المعركة الحقيقية. فمعركة المؤمن الأساسية هي مع ذهنه الغير مجدد، وينتصر فيها عندما يثبت في سلطانه في المسيح.

يظن البعض أن الصياح ضد إبليس هو إظهار للسلطان عليه. لكن إبليس لا يهتز من الصوت العالي. فهو لا يخاف من الضوضاء، بل من اسم يسوع. لكنه يخاف من المؤمن الذي يقف في سلطانه في المسيح.

إبليس لا يتوقف ولا يكف عن أعماله ضدك وفقًا لمقدار علو صوتك عليه. لكنه ملتزم أن يتوقف عن أي مخطط ضدك عندما تمارس سلطانك في المسيح. لذلك عليك أن تعرف حقوقك وامتيازاتك في المسيح وتضاعف من نصرة يسوع على الشيطان بكلمة الله. فنحن لا نحاول أن نحقق نصرة فوق الشيطان –لأن يسوع قد حققها بالفعل. لكننا ببساطة نعزز من نصرة يسوع من خلال كلمة الله في حياتنا.

قد سمعت شريطًا لحلقة من الحلقات التي يعلِّمونها في هذه المدرسة. قال الخادم: “يقول الكتاب المقدس أن يسوع دخل المجمع وكانت الأرواح الشريرة تصرخ قائلة: ‘هل أتيت لتعذبنا؟’ لذلك دعونا نعذب إبليس”.

كان يستشهد بمرقس 5: 7 ولوقا 8: 28. لكن إنجيل متى 8: 29 يقول، “فَصَرَخَتِ الأَروَاحُ الشِّرِّيرَةُ: “مَاذَا تُرِيدُ مِنَّا يَا ابْنَ اللهِ؟ هَلْ أَتَيتَ هُنَا لِتُعَذِّبَنَا قَبْلَ الوَقتِ المُحَدَّدِ؟” 

لم يستطع يسوع أن يعذب تلك الأرواح الشريرة في ذلك الوقت، ولا نحن أيضًا، إلى أن ينتهي إيجار آدم على الأرض. ستظل الأرواح الشريرة والشياطين هنا على الأرض، لكن شكرًا لله لأن اليوم آت الذي فيه سيُطرحون في مصيرهم الأبدي ويُعذبون (رؤيا 20: 1- 3).

فكر معي: لماذا يريد البعض أن يعذبوا الشيطان؟ لقد هزمه يسوع في الصليب. ولأن الشيطان عدو مهزوم، فهو لا يعني لي شيئًا. أعرف كيف أتعامل معه إن كشف عن وجهه. مجدًا لله. إني متحمس جدًا للكرازة عن يسوع حتى يخرج الناس من تحت سيادة إبليس ويتعلموا كيف يثبتون بنجاح ضده في كل امتحان وتجربة.

دعونا نكتشف ما يقوله الكتاب ونبني خططنا ضد مملكة الظلمة على أسس كتابية حتى نربح الضالين في هذا العالم ليسوع. فتش الشواهد الكتابية بنفسك، وستجد مرة بعد الأخرى أن يسوع والتلاميذ الإثنى عشر والرسول بولس كانوا يعلِّمون المؤمنيين أن يكرزوا بالكلمة. كانوا يعلِّمون عن اسم يسوع والسلطان الذي لدى المؤمن في هذا الاسم فوق كل قوى الظلمة. فقد علموا المؤمنين أن يثبتوا بقوة في إيمانهم بكلمة الله، لأن الكلمة هي التي تهدم الحصون في حياة وتفكير الناس، والمسحة التي في كلمة الله لديها القوة لتكسر أي قيود شيطانية.  

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية  www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries  ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$