القائمة إغلاق

هل يمكن للمؤمن أن يسكن أو يكون به شيطان؟ هل المؤمن يرتد ويهلك؟ Can the Believe be Possessed with a Demon

هل يمكن للمؤمن أن يكون به شيطان؟ لا شك أن هذا الموضوع يثير الكثير من الجدل في الوسط الكنسي حول العالم. قد سمعت تعليقات من بعض الوعاظ عن هذا الموضوع جعلت أحشائي تنقبض؛ لأن ما قالوه لم يكن كتابيًا بالمرة. فقد تركوا انطباعًا أن كل المؤمنين بهم شياطين يحتاجون أن يخرجوهم بصورة مستمرة. وهذا التعليم خاطئ لأسباب عديدة.

أولاً: لا يمكن لمؤمن أن يكون بروحه شيطان، فهذا أمر مستحيل. إذ يتوجب على المؤمن الناضج أن ينكر المسيح عن عمد وبعد تفكير مسبق، حتى يسمح لشيطان أن يدخل إلى روحه؛ لأنه إن كان مؤمنًا، فالروح القدس –لا إبليس– يسكن في روحه. وإن أنكر مؤمن ناضج المسيح، فلا يعد يُدعى مؤمنًا فيما بعد. لأن المسيحي المؤمن يعني “مَن يشبه المسيح”. كما يعني أيضًا سكنى حياة وطبيعة الله في روح الإنسان (2 كورنثوس 5: 17).

لهذا السبب يصبح من المستحيل لمؤمن أن يوجد بروحه شيطان؛ لأن روح المؤمن قد خُلقت من جديد بواسطة الروح القدس (2 كورنثوس 5: 17). فأصبحت روح المؤمن مسكنًا للروح القدس (يوحنا 14: 23؛ 1 كورنثوس 6: 17)، لذلك لا يمكنها أن تكون مسكنًا لروح شرير (2 كورنثوس 6: 14- 16؛ يعقوب 3: 11، 12).

أولئك الذين يقولون أن المؤمن يمكن أن يكون به شيطان لا يعرِّفون مصطلحاتهم جيدًا. فهم لا يقسِّمون الإنسان بصورة صحيحة. لا يدركون أن الإنسان هو روح، لديه نفس ويسكن في جسد. ولا يوضحون أن الشيطان يمكن أن يؤثر على نفس الإنسان وجسده دون أن يكون في روحه.

إن كـان هـؤلاء يـقصـدون أن الأرواح الشـريـرة يمكـنها التسـلُّط أو السـيطـرة عـلـى نـفـس

 

الإنسان أو جسده، فنعم.. هذا أمر حقيقي. يمكن لروح شرير أن يتسلَّط أو يسيطر على نفس المؤمن وجسده. لكنه أمر مختلف تمامًا أن نقول أن روحًا شريرًا يمتلك ويسكن روح المؤمن ونفسه وجسده. بالإضافة إلى ذلك، لا يعاني كل المؤمنين من تسلط أو سيطرة أرواح شريرة عليهم. هذا تعليم يميل إلى التطرف ويجب تجنبه. فالتطرف في التعليم في أية زاوية ليس أمرًا كتابيًا. 

 

في الحقيقة، لا يوجد شخص واحد في كل الأناجيل الأربعة ممَن طُردت منهم أرواح شريرة كان مؤمنًا. بمعنى أنه لم ينل أحدهم الميلاد الجديد بدم يسوع، لأن يسوع لم يكن قد مات بعد وسفك دمه لأجل الجنس البشري. كثيرون تبعوا يسوع وكانوا تلاميذه حتى أصبح الميلاد الجديد متاحًا بموت ودفن وقيامة يسوع. وكان لديهم وعد بخلاصهم حتى أصبح الميلاد الجديد متاحًا لهم. لكن أولئك الذين ذكر الكتاب المقدس عنهم في الأناجيل الأربعة أنه خرجت منهم أرواح شريرة لم يكونوا مؤمنين مولودين ثانية.

كي تصل إلى تعليم متوازن عن تأثير الشياطين في حياة المؤمنين، لابد أن تدرس الأناجيل لتكتشف ما أوصى به يسوع تلاميذه عن طرد الأرواح الشريرة. هل طرد يسوع شياطين من تلاميذه الاثني عشر؟ كلا، لم يفعل ذلك. هل علَّمهم أن يطردوا شياطين من بعضهم البعض؟ كلا. وقبل صعود يسوع، هل أعطى تلاميذه طريقة ما لطرد الأرواح الشريرة من المؤمنين الآخرين؟ كلا، لم يفعل ذلك. حتى في سفر أعمال الرسل، فإن أولئك الذين خرجت منهم أرواح شريرة لم يكونوا مؤمنين. في الحقيقة، لم يُذكر قط في الكتاب المقدس أنه قد طُرد روح شرير من مؤمن أو أن روحًا شريرًا قد سكن في مؤمن.

لكن هذا لا ينفي أن الأرواح الشريرة يمكن أن تتسلَّط أو تسيطر بالهواجس على المؤمن. فالكتاب المقدس يخبرنا أن الأمراض هي نتيجة تسلّط شيطاني (أعمال 10: 38). على سبيل المثال، أحيانًا عندما أتعامل مع مرض ما في أحد الأشخاص، أجد أنه عليَّ أن أتعامل مع الشياطين المُسببة لهذا البلاء والمتسلطة على جسده. وفي أحيان أخرى –وليس دائمًا– يكون هناك وجود حرفي لروح شرير في جسد الإنسان يتسبب في المرض والسقم. عندئذ أحتاج إلى التعامل مع الوضع بقوة الروح القدس حتى ينال الشخص الشفاء. وبمجرد أن يخرج الشيطان، يصير الشخص صحيحًا.

ومن ناحية أخرى، كان هناك أشخاص مرضى، لكنهم لم يحتاجوا إلى طرد أرواح شريرة منهم. كانوا يحتاجون إلى شفاءٍ وحسب. لهذا السبب لا نستطيع أن نضع قواعد ثابتة في التعامل مع هذا الأمر. بل ينبغي أن نعتمد على قيادة الروح القدس لنعرف ما إذا كان هذا المرض أو السقم نتيجة وجود حقيقي لروح شرير أم لا.

إن المؤمن، مثل الخاطئ، يستطيع أن ينال ما يريده؛ لأن جميع البشر –سواء كانوا خطاة أو مؤمنين– لديهم حرية الإرادة. فنحن لا نفقد حرية إرادتنا عندما نُولد من جديد. إن حدث ذلك، سنصبح مثل إنسان آلي.. والله لم يخلقنا آليين.

حتى عندما يمتلئ الإنسان بالروح القدس، تظل لديه حرية الإرادة والاختيار. بإمكانه أن يفكر في أفكار إبليس ويخضع لإيحاءات الشيطان، إن أراد ذلك. وإبليس دائمًا ما يعمل من خلال ذهن الإنسان وإرادته ومشاعره محاولاً أن يدفعه للخطأ حتى يجد مدخلاً إليه. مع ذلك، فلا داعي أن يخضع المؤمن لأرواح شريرة أو لجسده –بل ينبغي أن يتعلم كيف يخضع للروح القدس.

إني أشك في التعاليم والمُمارسات التي لا أرى إثباتًا لها في الكتاب المقدس. وعندما يعلِّم بعض الخدام أن جميع المؤمنين بهم شياطين ويحتاجون أن يطردوهم مرة بعد الأخرى، فهذا أمر غير كتابي. لن تجد هذه التعاليم أو الممارسات المتطرفة في الكتاب المقدس. لذا عليك أن تكون كتابيًا وتبتعد عن المبالغات والتطرف.

يستطيع أي شخص –سواء مؤمن أو خاطئ– أن يصغي لإبليس ويخضع لإيحاءاته. لكن يوجد فرق كبير بين تحول الشخص وخضوعه لفترة مؤقتة لشياطين، وبين وقوعه تحت تسلُّط ارواح شريرة تعمل من خارج أو داخل جسده وذهنه. كما يوجد فرق شاسع بين سيطرة أرواح شريرة على الإنسان، وبين سكناها فيه وامتلاكها له.

لأكثر من ثمانية وخمسين عامًا في الخدمة لم أخرج شيطانًا واحدًا من روح مؤمن، ولا يوجد خادم آخر فعل ذلك؛ لأن الأرواح الشريرة لا يمكنها أن تسكن روح المؤمن. وإن وُجد روح شرير في مؤمن، فهو إما في جسده أو نفسه (ذهنه، إرادته، مشاعره). وفي معظم الأحيان لا يكون ذهن المؤمنين مُجددًا، لذا يجد إبليس فرصة ليدخل إلى نفوسهم وأجسادهم. لكن معظم المشاكل التي يواجهها المؤمنون لا تكون مع شياطين على الإطلاق، إنما مع أجسادهم وحسب.

 

فى الحقيقة، لقد وجدت أن قليلين جدًا في بلدنا تسكنهم أرواح شريرة. مع أن هذه النسبة بدأت تتزايد الآن بسبب انتشار الممارسات السحرية. ففي طوال خدمتي لم أرى سوى شخص واحد يمتلكه بالكامل روح شرير: روحه ونفسه وجسده.

 

رؤيا عام 1952

محاط بسحابة من المجد

لقد ظهر لي الرب يسوع في رؤيا في عام 1952 وتحدث معي باستفاضة عن موضوع الشياطين وكيف تقيد البشر. كانت هناك ثلاثة أجزاء للرؤيا التي ظهر فيها يسوع لي في عام 1952 حيث وضح لي الطريقة التي يحاول بها الشياطين أن يجدوا مدخلاً إلى البشر.

كنت أعقد اجتماعًا في إحدى الكنائس في عام 1952. وكنت أقيم وقتها في بيت الرعوية، وبعد انتهاء الخدمة كنا نتشارك، الراعي وأنا. وفي أحد الأيام بعد انتهاء إحدى الخدمات المسائية، بدأتُ أصلي مع الراعي. لم أتوقع بالمرة في تلك اللحظة حدوث أي شيء غير معتاد. لكن بمجرد أن ركعت لأصلي، بدا لي وكأن سحابة بيضاء نزلت وأحاطت بي، فوجدت نفسي راكعًا في سحابة بيضاء. لم أتمكن من رؤية أي شيء، إذ توقفت حواسي الجسدية عن العمل. كانت عيناي مفتوحتين، لكني لم أتمكن من رؤية الموقد أو المائدة أو أي شيء موجود في المطبخ.

لقد ظهر مجد الله مرات عديدة في العهد القديم في صورة سحابة (انظر خروج 40: 34 و35؛ 1 ملوك 8: 10 و11؛ 2 أخبار 5: 13 و14). كان هذا أمرًا كتابيًا. ثم رفعت عيني إلى حيث ينبغي أن يوجد سقف البيت، فرأيت يسوع واقفًا هناك. وبينما كنت مأخوذًا في تلك السحابة، قضى يسوع ساعة ونصف يتحدث إليَّ.

بدأ حديثه معي بقوله: “سوف أعلِّمك عن سكنى الشياطين والأرواح الشريرة. لأنه منذ تلك الليلة فصاعدًا كل ما هو مكتوب في كلمتي بخصوص موهبة تمييز الأرواح سوف يعمل في حياتك عندما تكون في الروح”.

قال لي يسوع: “سوف أريك بالتحديد كيف تتمكن الأرواح الشريرة من البشر وتسيطر عليهم وتسكن فيهم –حتى المؤمنين– إن سمحوا لهم بذلك”. ثم تحدث معي لبعض الوقت عن موهبة تمييز الأرواح. وكان من ضمن الأشياء التي قالها لي أن موهبة تمييز الأرواح هي بصيرة خارقة للطبيعة في عالم الروح.

وبينما كنت لا أزال في سحابة المجد تلك، فتح يسوع عيني على عالم الروح وبدأت أرى في ذلك العالم. رأيت امرأة، ثم ابتدأ يسوع يروي لي المشهد التالي. وتابعت المشهد فيما تقدمت أحداثه. قال لي يسوع: “مثلاً، لوقت ما كانت هذه السيدة ابنة لي. كانت في الخدمة مع زوجها وكانت مرنمة ذات صوت عذب”.

أستطعت أن أميز تلك السيدة في الرؤيا وعلمت مَن هي. لم أكن أعرفها شخصيًا، إنما علمت أنها تركت زوجها الراعي وارتبطت برجل آخر. في الواقع، كان زوجها الأسبق هو ذات الراعي الذي كنت أصلي معه في منزل الرعوية. كما ترى، ما لم يُظهِر لنا يسوع حقيقة الأمور، فنحن نرى النتائج التي تحدث وحسب، دون أن نعرف سبب حدوثها. كنت أعلم أن تلك السيدة تركت زوجها، لكني لم أعلم شيئًا عن التفاصيل. فعادة ما نرى الأمور تحدث في العالم الطبيعي، لكننا لا نعلم دائمًا ما يحدث في عالم الروح ويتسبب في حدوث الأمور.

قال لي يسوع: “كانت تلك السيدة خادمة لي. كان زوجها راعيًا، وكانت هي في الخدمة معه. لكن الشيطان تسلل إليها”. وبينما كان يسوع يروى المشهد، رأيت ما يشبه قردًا صغيرًا. رأيته يأتي ويجلس على كتف هذه السيدة ويهمس في أذنيها.

ثم أكمل يسوع حديثه قائلاً: “لقد همس ذلك الروح الشرير إلى هذه السيدة: ‘إنك امرأة جميلة، لكنك تضيِّعين عمرك دون مقابل.. لقد خُدعتِ. في العالم يمكنك أن تحظي بالشهرة والمال’”.

لم يكن لدي شك أنه بقدراتها الصوتية، كان بإمكانها أن تصبح مغنية مشهورة. لكن هناك شيئًا أريدك أن تلاحظه.. فعلى الرغم من أن عبارة إبليس كانت صحيحة إلى حد ما: “في العالم يمكنك أن تحظى بالشهرة والمال”، إلا أنها لا تتوافق مع كلمة الله حسب فيلبي 4: 8.

 

فيلبي 4: 8

 

8 وَفِي الخِتَامِ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، اشْغِلُوا أَفْكَارَكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ حَقٌّ، وَكُلِّ مَا هُوَ نَبِيلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ قَوِيمٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ جَمِيلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ جَدِيرٌ بِالمَديحِ، وَكُلِّ مَا هُوَ فَاضِلٌ، وَكُلِّ مَا هُوَ مَمدُوحٌ.

 لم يكن ما قاله إبليس يتوافق مع المكتوب؛ لأنه لم يكن تفكيرًا حقًّا أو نبيلاً أو قويمًا أو طاهرًا أو جميلاً أو جديرًا بالمدح. في الحقيقة لم يكن به أية فضيلة على الإطلاق، لذلك لم يكن سليمًا كتابيًا. يتساءل البعض عن الطريقة التي يميزون بها صوت إبليس. إليك الوسيلة: إن ما تسمعه لابد أن يتوافق مع كلمة الله. فالكتاب المقدس يخبرنا بالتحديد ما ينبغي أن نفكر فيه: “…اشْغِلُوا أَفْكَارَكُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ…”. ثم يضع قائمة بأنواع الأفكار التي ينبغي علينا أن نفكر فيها. فالكتاب المقدس هو المقياس لأسلوب تفكيرنا.

ثم أكمل يسوع: “كانت تلك السيدة تعلم أن إبليس هو مَن يبث تلك الأفكار إليها، فقالت: ‘اذهب عني يا شيطان’”. فرأيت ذلك الشيطان يقفز من على كتفها ويتركها ويجري مبتعدًا.

قال يسوع وهو يكمل الرواية: “من حين لآخر، كان ذلك الروح الشرير يعود ويجلس على كتفها ويهمس في أذنها”.

حتى تلك اللحظة لم يكن الروح الشرير قد دخل فيها، إنما كان يتسلط ويضغط على ذهنها محاولاً أن يجد مدخلاً إليها عن طريق فكرها. لكن كان لا يزال لديها السلطان عليه؛ لأن الكتاب يقول: “… لأَِنَّ اللهَ الَّذي فِيكُمْ أَعظَمُ مِنْ إبليسَ الَّذِي فِي العَالَمِ” (1 يوحنا 4: 4). كان بإمكانها أن تقاومه لأن الكتاب المقدس يقول ذلك في رسالة يعقوب 4: 7. كان ينبغي عليها ألا تعطي لإبليس مكانًا في ذهنها على الإطلاق (أفسس 4: 27).

قال يسوع: “من حين لآخر، كان ذلك الروح الشرير يعود ويجلس على كتفها ويقول لها: ‘إنك امرأة جميلة، لكنك تضيِّعين عمرك دون مقابل.. لقد خُدعتِ. في العالم يمكنك أن تحظي بالشهرة والمال’. لكنها كانت تعلم أنه إبـليس، لذلك قـالت: ‘ابتـعد عنـي يـا شـيطان’ فكان الروح الشرير يتركها لحينٍ”.

لاحظ أنه عندما مارست تلك السيدة سلطانها الشرعي على إبليس في اسم يسوع، اضطر إبليس أن يتركها. لكنه رجع بعد بعض الوقت ليجربها. لا تعتقد أنك عندما تقاوم إبليس مرة، فهذا يعني أنه لن يحاول أن يرجع مرة أخرى، فالكتاب لا يعلِّمنا هذا. انظر إلى تجربة يسوع.. يخبرنا الكتاب المقدس أن إبليس تركه إلى حينٍ (لوقا 4: 1- 13). وفى تلك الرؤيا، رأيت الروح الشرير يعود لتلك السيدة المؤمنة ليجربها.

وفيما استكمل يسوع حديثه، رأيت القرد الصغير يعود مرة أخرى ليجلس على كتف تلك السيدة ويهمس في أذنها. قال يسوع: “من حين لآخر، كان ذلك الروح الشرير يعود ويجلس على كتفها ويقول لها: ‘إنك امرأة جميلة، لكنك تضيِّعين عمرك دون مقابل.. لقد خُدعتِ. في العالم يمكنك أن تحظي بالشهرة والمال’”.

ثم وضح لي يسوع أنه حتى تلك اللحظة كان ذلك الروح الشرير لا يزال يتسلَّط على هذه السيدة، ممارسًا ضغوطًا عليها وحسب. يمكن لأي مؤمن أن يتعرض لتسلُّط من أرواح شريرة، فلا يوجد مؤمن مُحصَّن ضد إيحاءات إبليس وتسلُّطه. لكن علينا ألا نخضع لتلك الإيحاءات. إذ لدينا السلطان لنقاوم أي تسلُّط يحاول إبليس أن يأتي به ضدنا.

ثم قال لي يسوع: “لكن في هذه المرة بدأت هذه السيدة تقبل أفكار إبليس وتتأمل فيها. بدأت تفكر: ‘إنني امرأة جميلة.. إني أضيِّع عمري دون مقابل’ لأن تلك الأفكار أعجبتها”.

لم تحافظ هذه المرأة على أفكارها في توافق مع كلمة الله. لم تركز تفكيرها على يسوع. يخبرنا الكتاب: “أَنْتَ تَحْفَظُ سَالِمًا مَن ثَّبِتِ فَكّرَُه فيْكَ لأَنَّهُ عَلَيْكَ تَوَكَّلَ” (إشعياء 26: 3). لكن بدلاً من ذلك، بدأت تتأمل في أفكار إبليس وترعاها. كانت امرأة جميلة، لكنها كانت تفكر في جمالها بدلاً من أن تركز أفكارها على الرب وعلى كلمته ومشيئته لحياتها. وعندما فكرت في أفكار إبليس، ارتفعت تكبرًا. يقول الكتاب المقدس، “قَبْلَ الانْكِسَارِ الْكِبْرِيَاءُ، وَقَبْلَ السُّقُوطِ غَطْرَسَةُ الرُّوحِ” (أمثال 16: 18).

الإيحاء.. أداة إبليس

يتساءل مؤمنون كثيرون عن الطريقة التي يحصل بها إبليس على مكان في حياتهم. إن

 

المكان الأول الذي يبدأ فيه إبليس العمل هو أذهانهم، وقوة الإيحاء هي واحدة من أعظم وأقوى أسلحة إبليس. وفوق كل ذلك، فإن هذا السلاح هو الذي استخدمه إبليس مع حواء في جنة عدن (تكوين 3: 1- 7). لقد انجذبت حواء بإيحاء إبليس وخُدعت (تكوين 3: 13). لذلك فإن أحد الخطط الأساسية لإبليس اليوم هي أن يضلل الناس ويخدعهم بإيحائه ومكائده.

 

لكننا لسنا مضطرين للوقوع فريسة لحيل إبليس، لأن الكتاب يخبرنا أننا يجب ألا نعطي إبليس مكانًا فينا. هذا يعني ألا تعطيه أي مكان في أسلوب تفكيرك. فإن استطاع إبليس أن يجد مكانًا في طريقة تفكيرك، لاستطاع بهذا أن يجد مكانًا فيك.

ثم أخبرني يسوع بعد ذلك أنه عندما بدأت تلك السيدة تفكر في أفكار إبليس وتتبع إيحائه، بدأت هذه الأفكار تسيطر عليها. وابتدأت تُعجب بالتأمل في تلك الأفكار. ثم رأيت في الرؤيا أن تلك السيدة تغيرت وأصبحت شفافة وكأن جسدها مصنوع من زجاج. فاستطعت أن أرى نقطة سوداء في رأسها في حجم عملة معدنية صغيرة.

أوضح لي يسوع قائلاً: “في بداية الأمر، كان هناك روح شرير يتسلط ويضغط على تلك السيدة –خادمتي– بأفكار من الخارج وحسب. فانتهرته لأنها ابنة لله ولديها سلطان على إبليس، وقاومته مرارًا عديدة وهرب. لكنها في المرة الأخيرة بدأت تصغي له، وظلت تفكر في أفكاره وتستمع لإيحاءاته، إذ أعجبها أن تفكر في تلك الأفكار. ثم سيطرت عليها أفكار إبليس”.

قال لي يسوع: “لقد سيطرت طريقة التفكير هذه على السيدة. لكن حتى ذلك الوقت، لم يكن قد فات الأوان بعد. إذ كانت لا تزال ابنة لي، وتعرف ما ينبغي أن تفعله. كان باستطاعتها أن تطرد تلك الأفكار من ذهنها إن أرادت. كان بإمكانها أن تقول: ‘أرفض أن أفكر هكذا. إن تلك الأفكار هي منك يا إبليس، وأنا أقاومك في اسم يسوع’. لكنها أرادت أن تفكر في تلك الأفكار، وظلت تتأمل فيها حتى سيطرت عليها”.

من الممكن أن تسيطر هواجس وأفكار إبليس على تفكير المؤمن. لكني أريدك أن تدرك هذا: كان بإمكان تلك السيدة أن تنتهر إبليس في أي وقت؛ لأن لديها السلطان على إبليس في اسم يسوع- حتى في أسلوب تفكيرها.

ثم أوضح يسوع: “كانت تعرف ماذا تفعل. كما كانت تعرف أن أسلوب التفكير هذا قد سيطر عليها. كان بإمكانها في أي وقت أن تقول: ‘إن تلك الأفكار هي من إبليس، وأنا أرفض أن أفكر هكذا. آمرك يا إبليس أن تتركني. ابتعد عني في اسم يسوع’. وكان إبليس سيطيعها. لكنها أعجبت بالتفكير: ‘إني امرأة جميلة’، فظلت تفكر: ‘لقد خُدعتِ. في العالم يمكنني أن أحظى بالشهرة والمال’”.

ثم أكمل: “لم تبدأ تضل إلا عندما بدأت تصغي لما يخبرها الشيطان به وتقبل أفكاره. في النهاية، تركت زوجها وارتبطت برجل آخر. ثم تركت هذا الرجل وارتبطت بآخر. وظلت هكذا حتى ارتبطت بخمسة رجال، دون أن تتزوج بأي منهم. إنما كانت تعيش معهم وحسب”.

ثم قال: “لم يكن الوقت متأخرًا حتى تلك اللحظة. إن كانت قد تابت ورجعت إليَّ وطلبت الغفران لكنت سامحتها، ولم تكن لتحتاج أي إنسان لينتهر إبليس لأجلها. كانت تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها”.  إن يسوع لا يتساهل مع الخطية أو يقبل الأفعال الخاطئة. لكن شكرًا لله لأنه يغفر الأخطاء إن ندم المؤمن بإخلاص وطلب المغفرة وتحول عن خطيئته (1 يوحنا 1: 9). لاحظ أيضًا عبارة يسوع، “لم تكن لتحتاج أي إنسان لينتهر إبليس لأجلها. كانت تستطيع أن تفعل ذلك بنفسها”.

ليس كافيًا أن يكون لدينا سلطان في المسيح. إنما يحتاج المؤمنون أن يمارسوا السلطان الذي لديهم على إبليس حتى يأتي عليهم بفائدة.

ثم رأيت أثناء الرؤيا قائدًا من إحدى طوائف الإنجيل الكامل يذهب إلى فندق معين. وفي الرؤيا كنتُ واقفًا خارج الفندق، ورأيت اسمه. ثم بدا لي وكأني دخلت إلى داخل الفندق مع هذا القائد. ذهب إلى الاستقبال ليستعلم ما إذا كان السيد والسيدة فلان يقيمان هناك. وبالفعل كانا هناك.. كانت تلك السيدة موجودة مع رجل ما بإدعاء أنها زوجته.

صعد هذا الخادم إلى باب حجرتهما. وفي الرؤيا كنت واقفًا بالروح في الممر. رأيت المشهد بالكامل كما لو أنه يحدث وقتها. قرع الخادم الباب، ففتحت تلك السيدة الباب وهي شبة عارية. عندما فتحتْ الباب، عرفتْ الخادم؛ فقد كان قائدًا في طائفة الإنجيل الكامل.

 

قالت له: “أعلم لماذا أتيت”. كان الخادم قد ذهب ليحاول أن يردها ويصلي لأجلها لترجع للرب ولزوجها.

 

لكنها قالت له: “لكني أريد أن أخبرك شيئًا.. فليذهب يسوع المسيح إلى الجحيم”. ثم أغلقت الباب في وجه الخادم.

قال لي يسوع: “هكذا ترى.. لم تعد تريدني”.

ثم أكمل يسوع: “لو كانتْ قد وقعتْ في تجربة عصيبة، وفي خضم التجربة أو الشهوة قالت: ‘لا أريد يسوع’، لكنتُ تغاضيتُ عن ذلك وسامحتها. لكنها كانت تعلم بالتحديد ما تفعله. وقد قالت عن عمد وباختيارها: ‘لا أريده’”. وعندما قالت ذلك، رأيت تلك النقطة السوداء التي في رأسها والتي كانت في حجم عملة معدنية صغيرة وقد انتقلت من رأسها لداخلها ثم إلى قلبها حتى استقرت في روحها. ثم قال لي يسوع: “الآن قد امتلكها ذلك الروح الشرير. ومنذ الآن سيتحكم فيها إبليس.. لكن بسماح منها وحسب”.

التسلط والسيطرة والامتلاك

كما ترى، هناك فرق شاسع بين ضغط وتسلط أرواح الشر على الإنسان، وبين سيطرتها عليه، وبين امتلاكها له. فتلك السيدة كانت في الخدمة مع زوجها لحوالي عشرين عامًا. لم تكن طفلة روحيًا. في بداية الأمر، تسلَّط عليها روح شرير ثم سيطر عليها. لكن عندما اختارت عن عمد وقصد أن تنكر المسيح –وهى مؤمنة ناضجة– امتلكها روح شرير. وهذا حدث بسماح منها وحسب. ففي اللحظة التي أنكرت فيها المسيح، لم تعد تُدعى مؤمنة.

قلت ليسوع: “لكن يا رب، لماذا أريتني هذا؟ هل تريدني أن أخرج منها ذلك الشيطان؟”

أجابني: “كلا. لا تستطيع أن تُخرج منها الشيطان، ولا يقدر أحد أن يفعل ذلك لأنها لا تريده أن يرحل، وتوافق على وجوده. لا يقدر إنسان –سواء أنت أو قادة الكنيسة أو باقي المؤمنين أو أي شخص آخر– أن يمارس سلطانًا على روح الإنسان. عندما كنتُ على الأرض، كنتُ أمارس سلطانًا على الأرواح الشريرة وليس على أرواح البشر. حتى الله الآب لا يمارس سلطانًا على روح الإنسان.

لقد مارستُ سلطانًا على الأرواح الشريرة والشياطين. ويستطيع المؤمنون في الكنيسة أن يمارسوا سلطانًا على الأرواح الشريرة والشياطين. لكن إن أرادت أي روح بشرية أن تبقى على حالتها كما هي، عندئذٍ لا يوجد شيء تستطيع فعله تجاه الأمر.. ستظل كما هي. إن أرادت تلك المرأة أن يكون بها شيطان، فسوف يكون لها هكذا.. ولن تقدر أن تُخرج منها ذلك الروح. تقول كلمتي: ‘…وَمَنْ يُرِدْ فَلْيَأْخُذْ مَاءَ حَيَاةٍ مَجَّانًا’، ‘…فَاخْتَارُوا لأَنْفُسِكُمُ الْيَوْمَ مَنْ تَعْبُدُونَ’ (رؤيا 22: 17؛ يشوع 24: 15). إن الإنسان لديه حرية إرادة ليختار ما يريده على الأرض. والله لا يتخطى إرادة الإنسان. ثم أوضح لي يسوع أنه لو أرادت تلك السيدة أن تتحرر قبل أن تنكر المسيح، لكان بإمكاني أن أخرج تلك الأرواح الشريرة من جسدها أو ذهنها في اسم يسوع. بالإضافة إلى أنها كانت تستطيع أن تتعامل مع إبليس في أي وقت وتنتهره. لكن لأنها لم ترد أن تتحرر، فلا يوجد شخص يستطيع أن يساعدها.

بالطبع، بعد أن أنكرت المسيح وهي مؤمنة ناضجة، لم يعد بالإمكان إخراج ذلك الروح الشرير منها. فهي قد اختارت أي سيد تريده.. اختارت إبليس (رومية 6: 16). والله نفسه لا يمارس سلطانًا على إرادة البشر. إن أراد الناس أن يفكروا في أفكار إبليس ويخضعوا له، فالله لن يتخطى إرادتهم، ولا أنت أيضًا تستطيع ذلك.

لا يمكنك أن تجعل الناس يفكرون وفقًا لكلمة الله، ولا تستطيع أن تجعلهم يريدون مشيئة الله لهم. لا يمكنك أن تجعلهم يريدون المزيد من الروح القدس بدلاً من الأرواح الشريرة. يمكنك أن تعلِّمهم ما تقوله كلمة الله وتشجعهم لكي يؤمنوا بالكلمة ويسلكوا وفقًا لها، لكنك لا تستطيع أن تجبرهم على فعل شيء.

الخطية التي لا ُتغفر – الخطية التي تؤدي للموت

عندما سألت يسوع: “هل تريدني أن أصلى لأجل تلك السيدة؟”

أجابني: “لا.. لا تصلى لأجلها”. جاءت إجابته كصدمة لي. هل سمعت أحدًا من قبل يخبرك ألا تصلي للناس؟ إني ملتصق بما تقوله الكلمة. لذا إن أخبرني أحد بشيء ما، بغض النظر عمَن هو، فلابد أن أرى إثبات ما يقوله في الكلمة. هكذا قلت ليسوع: “لماذا يا سيد؟ لم أسمع شيئًا كهذا من قبل أبدًا؟ هل هذا أمر كتابي؟”

 

أجابني: “ألم تقرأ في كلمتي: ‘إنْ رَأَى أَحَدُكُمْ أَخَاهُ يَرتَكِبُ خَطِيَّةً لاَ تُؤَدِّي إلَى المَوتِ، فَلْيُصَلِّ مِنْ أَجلِهِ، فَيَستَجِيبَ اللهُ وَيَمنَحَ الحَيَاةَ لأَِخِيْهِ الَّذِي ارتَكَبَ خَطِيَّةً لاَ تُؤَدِّي إلَى المَوتِ. فَهُنَاكَ خَطِيَّةً تُؤَدِّي إلَى المَوتِ. وَلَيسَ لأَجلِ هَذِهِ أَطلبُ إلَيكُمْ أَنْ تُصَلُّوا’ (1 يوحنا 5: 16)”.

 

ثم أكمل: “توجد خطية تؤدي إلى الموت، والكلمة تقول ألا تصلي لأجل أولئك الذين يرتكبوها”.

لا توجد طريقة تستطيع أن تعرف بها إذا كان الشخص قد ارتكب الخطية التي تؤدى للموت أو لا، ما لم يُظهِر لك الرب ذلك بإعلان إلهي. ثلاث مرات أثناء خدمتي أخبرني الرب ألا أصلي لأجل شخص معين، لأنه ارتكب الخطية المؤدية إلى الموت. كانت تلك السيدة هي الأولى. أخبرني يسوع ألا أصلي لأجل تلك السيدة لأنها ارتكبت الخطية التي لا تُغتفر- الخطية التي تؤدي إلى الموت. ثم قلت للرب أني لم أزل غير مقتنع. وقلت: “لن أقبل أي رؤيا أو اختبار، حتى وإن كنتُ أراك يا رب، إن لم يمكن إثبات ما تقوله من العهد الجديد. لن أقبل كلمة مما تقوله ما لم تعطني شاهدًا آخر يؤكد لي أنني ينبغي ألا أصلي لتلك السيدة”.

ثم ذكرته بما تقوله كلمته: “… لِكَيْ تثْبُتَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ” (متى 18: 16). فأعطاني الشاهد التالي وبدأ يناقشه معي.

عبرانيين 6: 4- 6

4 فَالَّذِيْنَ استَنَارُوا يُومًا، وَاختَبَرُوا (ذاقوا) المَوهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ، وَصَارتْ لَهُمْ شَرَكَةٌ فِي الرُّوحِ القُدُسِ.

5 وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَاختَبَرُوا قُوَّاتِ العَصْرِ الآتِي.

6 ثُمَّ ارْتَدُّوا، لاَ يُمكِنُ أَنْ تُجَدِّدَهُمْ ثَانِيَةً وَتَرُدَّهُمْ إلَى التَّوبَةِ، لأَِنَّهُمْ بِذَلِكَ يَصلِبُونَ ابنَ اللهِ ثَانِيَةً لِضَرَرِهِمْ، وَيُعَرِّضُونَهُ لِلعَارِ عَلَى المَلأِ.

أوضح لي يسوع أنه قبل أن يصبح المؤمن مذنبًا بارتكابه الخطية المؤدية للموت، فلابد أن تنطبق عليه الخمسة شروط المذكورة في هذا الشاهد.

الشرط الأول: يقول الشاهد “فَالَّذِيْنَ استَنَارُوا يُومًا…” (ع 4). قال لي يسوع أن ذلك الشاهد يشير إلى ما يدعوه الكثيرون منا الآن “الوقوع تحت التبكيت”. إذ أن الكرازة بالكلمة تنير الخاطئ. فيكون مثل الابن الضال الذي “رَجَعَ إِلَى نَفْسِهِ” (لوقا 15: 17). ومن خلال الكرازة بالكلمة، يرى الخاطئ أنه ضائع. فيستنير بخصوص حق كلمة الله ويرى احتياجه لمخلِّص.

الشرط الثاني: يقول عدد 4، “… وَاختَبَرُوا (ذاقوا) المَوهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ…”. أخبرني يسوع أن أولئك الذين يشعرون بالتبكيت لم يتذوقوا بعد الموهبة السماوية؛ لأن يسوع هو الموهبة السماوية. ثم استشهد لي بإنجيل يوحنا 3: 16، “فَقَدْ أَحَبَّ اللهُ العَالَمَ كَثِيْرًا، حَتَّى إنَّهُ قَدَّمَ ابْنَهُ الوَحِيْدَ، لِكَيْ لاَ يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُوْنُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”. لذلك فإن تذوق الموهبة السماوية يشير إلى الخلاص وقبول الرب يسوع مخلِّصًا.

الشرط الثالث: “… صَارتْ لَهُمْ شَرَكَةٌ فِي الرُّوحِ القُدُسِ” (ع 4). أخبرني يسوع أن هذا الشاهد يعني أكثر من مجرد الميلاد الجديد ومعرفة الروح القدس من خلال حلوله الشخصي (يوحنا 14: 16 و17). بل يشير إلى الأمتلاء بالروح القدس (أعمال 1: 5، 2: 4).

الشرط الرابع: “… ذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ…” (ع5). قال يسوع أن ذلك لا ينطبق على الأطفال روحيًا، فهم لم يتذوقوا دسم كلمة الله بعد. بل لا يزالوا يُطعمون على لبن الكلمة النقي. تخبرنا رسالة بطرس الأولى 2: 2، “وَكَأَطْفَالٍ مَوْلُودِينَ حَدِيثًا، تَشَوَّقُوا إِلَى اللَّبَنِ الرُّوحِيِّ النَّقِيِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ إِلَى أَنْ تَبْلُغُوا الخَلاَصَ”.

بمعنى آخر، إن الأطفال روحيًا ليسوا مؤهلين لارتكاب الخطية التي لا تُغتفر، لأنهم لم يتذوقوا طعام كلمة الله القوي بل يتغذون على لبن كلمة الله وحسب. أما الذين وصلوا لدرجة معينة من النمو الروحي وصاروا يدركون تمامًا خطورة إنكار المسيح وقد اختبروا طعام الكلمة، فأولئك وحدهم يصبح بإمكانهم أن يكونوا مذنبين بارتكابهم لتلك الخطية.

ثم أوضح لي يسوع التشابه بين النمو الروحي والنمو الجسدي. قال: “إن الأطفال روحـيًا لا يمـكن أن يـكونوا مذنبيـن بارتكابـهم الخـطية التي لا تُغتفر؛ لأنهم لم ينضجوا بعد بصورة كافية حتى يميزوا ما يفعلونه”.

 

الشرط الخامس: إن الشرط الخامس لكي يرتكب مؤمن الخطية التي لا تُغتفر هو أن يكون الشخص قد اختبر “قُوَّاتِ العَصْرِ الآتِي” (ع 5). ثم أوضح لي يسوع ما يعنيه هذا الشاهد، فقال: “إن ‘قُوَّاتِ العَصْرِ الآتِي’ هي ‘المواهب الروحية’”.

 

ثم أكمل: “إن أولئك الذين تذوقوا قوات العصر الآتي هم المؤمنون الناضجون الذين تعمل مواهب الروح القدس في حياتهم وخدماتهم”. ثم أوضح أن الامتلاء بالروح القدس وما يصحبه من المواهب روحية هو عربون ميراثنا في العالم الآتي (أفسس 1: 13 و14؛ 2 كورنثوس 5: 5).  إذًا توجد خمسة شروط كتابية يجب أن تتوافر في المؤمن قبل أن يُحتسب مُؤهلاً لارتكاب الخطية التي لا تُغتفر. والآن يتضح كيف أن مؤمنين قليلين جدًا هم المؤهلون لارتكاب تلك الخطية.

ثم قال لي يسوع: “إن تلك السيدة التي رأيتها في الرؤيا وأنكرتني قد حُسبت مُؤهلة للتمكن من ارتكاب الخطية التي لا تُغتفر”. ثم أوضح لي السبب قائلاً: “إن تلك السيدة قد استنارت وأدركت احتياجها لمخلِّص، وقد تذوقت الموهبة السماوية لأنها وُلدت ثانية. ويسوع المسيح صار مُخلِّصًا لها منذ سنوات عديدة. كما أن تلك السيدة قد امتلأت بالروح القدس وصارت في الخدمة لسنوات عديدة مع زوجها. فهي تعرف كلمة الله وقد حققت نموًا روحيًا كافيًا. لذلك فهي لم تعد طفلة روحية تتغذى على لبن كلمة الله. بل تذوقت طعام كلمة الله القوي، كما أن مواهب الروح القدس تعمل في حياتها. لذلك فإن تلك السيدة تفي بكل الشروط الروحية التي يجب توافرها في الشخص لكي يتمكن من ارتكاب الخطية التي لا تُغتفر”.

ثم أخبرني يسوع أنه كان سيغفر لها لو كان إبليس قد جربها وغلبته في ذلك الوقت. ثم أوضح لي أنها لم ترتكب تلك الخطية –التي تؤدي للموت– لأنها ارتبطت برجل آخر فحسب. فقد قال لي: “حتى لو أنها ارتبطت بمائة رجل، لكن رجعت إليَّ وتابت، لكنتُ سامحتها. لكنها اتخذت هذا القرار دون أن تُجرَّب أو تُهزَم، بل اتخذت القرار أنها لا تريد يسوع باختيارها وعن عمد. هذه هي الخطية التي لا تُغتفر وتؤدي إلى الموت”.

إن ما يقرره المؤمن الناضج بشأن علاقته بيسوع هو الذي يحدد ما إذا ارتكب الخطية التي تؤدي إلى الموت أو لا. إن أنكر مؤمن ناضج المسيح عن عمد وإرادة مُسبقة، فالكتاب يدعو ذلك خطية لا تُغتفر وتؤدي إلى الموت. وتلك الخطية تؤدي إلى موت روحي وانفصال أبدي عن الله. قف وفكر في الأمر.. إن الإنسان يخلُص بقبوله ليسوع المسيح في قلبه. والطريقة الوحيدة التي يفقد بها الإنسان خلاصه تتوقف على ما يفعله بخصوص علاقته بيسوع. فيسوع هو محور الخلاص الرئيسي. لهذا السبب عندما يتساءل الناس: “هل يمكن أن يكون في المؤمن شيطان؟”، عليهم أن يوضحوا ماذا يقصدون بذلك. وكما قلت سابقًا، يمكن للمؤمنين أن يقبلوا أي شيء يريدونه؛ لأن لديهم حرية الإرادة.

إذا استمر المؤمنون الناضجون يخضعون لإبليس، فيمكنهم أن يصلوا إلى مرحلةٍ يختارون فيها عن عمد أن ينكروا المسيح.. كما حدث لتلك السيدة. وحينئذٍ لا يعودوا مؤمنين بعد، لأنهم لم يعودوا يشبهون المسيح على الإطلاق ولا يحاولون أن يتبعوه. وبمجرد أن يفارق روح المسيح المؤمن، لا يمكن أن يُدعى الشخص مؤمنًا فيما بعد. وعند تلك المرحلة فحسب يمكن لأرواح شريرة أن تسكن فيه وتمتلكه.

على الرغم من أن تلك السيدة كانت مؤمنة في وقت ما، إلا أنها لم تستمر في إيمانها. توقفت عن إتباع المسيح عندما سارت وراء إبليس، وأنكرت الرب يسوع المسيح. لقد قال يسوع: “إِنْ ثَبَتُّمْ فِي كَلمِتي فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ تَلاَمِيذِي” (يوحنا 8: 31). تلك السيدة لم تثبت في كلمة الله، ولم ترغب في إكمال المسيرة مع يسوع.

دعني أوضح شيئًا.. إن إدعاء البعض أنهم مؤمنون ليس بدليل على أنهم مولودون ثانية. فإن لم يكن هناك برهان على ثمر الميلاد الجديد في حياتهم نتيجة أرواحهم المخلوقة من جديد، فإني اتساءل بجدية عن اختبار خلاصهم. يمكنك أن تدعوهم بالألقاب التي تريدها، لكن هذا لا يجعلها صحيحة.

على سبيل المثال، أخبرتني سيدة ذات مرة أن زوجها يدَّعي أنه مؤمن، لكنه كان يشترك في أمور شيطانية كثيرة. لم يظهر أي إثبات على كونه خليقة جديدة في المسيح. فأرادت زوجته أن تعرف هل يمكن له أن يكون مؤمنًا حقيقيًا.

قلت: “لا.. لا يمكن أن يكون مؤمنًا. فالمسيحي المؤمن يعني مَن يشبه المسيح. هل يسلك زوجك كما يسلك المسيح؟ بالطبع لا. هل يتبع المسيح أو يسير في نور الكلمة ؟ كلا، إنما يتبع إبليس. لذلك لا تدعيه مؤمنًا”.

 

ثم أثناء الرؤيا تحدث يسوع معي عن عبرانيين 10 وتكلم معي بوضوح عن الخطية التي تؤدي إلى الموت.

 

عبرانيين10: 26- 29

26 فَإِنْ أَخْطَأْنَا عَمْداً بِرَفْضِنَا لِلْمَسِيحِ بَعْدَ حُصُولِنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ، لاَ تَبْقَى هُنَاكَ ذَبِيحَةٌ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا

27 بَلِ انْتِظَارُ الْعِقَابِ الأَكِيدِ فِي لَهِيبِ النَّارِ الَّتِي سَتَلْتَهِمُ الْمُتَمَرِّدِينَ. وَيَا لَهُ مِنِ انْتِظَارٍ مُخِيفٍ!

28 مَنْ كَانَ يُخَالِفُ شَرِيْعَةَ مُوسَى، كَانَ يُنَفَّذُ فِيْهِ حُكْمُ المَوتِ بِلاَ رَأْفَةٍ بِنَاءً عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَينِ أَو ثَلاَثَةِ شُهُودٍ.

29 فَتَصَوَّرُوا مَا يَستَحِقُّهُ مِنْ عِقَابٍ أَشَدَّ مَنْ دَاسَ ابنَ اللهِ، وَاحتَقَرَ دَمَ العَهدِ الَّذي قَدَّسَهُ، وَأَهَانَ رُوحَ النِّعمَةِ

يقول عدد 26: “فَإِنْ أَخْطَأْنَا عَمْداً بِرَفْضِنَا لِلْمَسِيحِ بَعْدَ حُصُولِنَا عَلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ…”. إن الخطية التي يتكلم عنها الكتاب في هذا الشاهد لا تشير إلى أية خطية عادية. لأنه إن كانت كذلك، فرسالة يوحنا الأولى 1: 9 ليست صادقة. لأن الله يعدنا في هذا الشاهد أنه إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل، حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل أثم. لذلك فإن رسالة العبرانيين 10: 26 تتكلم عن خطية رفض المسيح. المعنى الذي نجده

كان بولس (الذي أؤمن أنه هو كاتب رسالة العبرانيين) يكتب في الأصل إلى مؤمنين من أصل يهودي. بالطبع يوجد في هذه الأعداد مبدأ هام لكل المؤمنين. لكن في أيام العهد الجديد كان المؤمنون اليهود يغوون بالعودة إلى اليهودية بسبب الصعوبات التي واجهتهم في تبعية المسيح. فعندما صار أولئك اليهود مسيحيين مؤمنين، قُطعوا واُبعدوا عن عائلاتهم. فالتصقوا بعضهم ببعض، وساعد أحدهم الآخر. لكنهم كانوا يواجهون مشقات، ليس في الأمور المادية وحسب، بل بسبب الاضطهاد العظيم. فكان بعضهم يُغوى بالعودة إلى أسلوب حياتهم اليهودي القديم. ولكي يفعلوا ذلك، كان عليهم أن ينكروا أن المسيح هو ابن الله. لكن عبرانيين 10: 29 يقول أن كل مَن “دَاسَ ابْنَ اللهِ” تُحسب له خطية لا تُغتفر.

بمعنى آخر، إن عاد أولئك المؤمنون إلى اليهودية، كان هذا يعني أنهم أنكروا أن المسيح هو المسيا المُنتظر. إن عادوا إلى اليهودية، كان هذا يعني أنهم أنكروا أن يسوع وُلد من عذراء. إن عادوا إلى اليهودية، فهذا يعني أنهم قد حسبوا دم العهد الذي تقدسوا به غير مقدس (ع 29). وإن لم يكن يسوع هو ابن الله وليس المسيا، إذًا فدمه مثل دم أي إنسان بشري آخر، ولن يكون مقُدسًا.

إن الخطية التي يشير إليها عبرانيين 10 هي خطية إنكار أن المسيح هو ابن الله. وهي تتساوى مع الارتداد عنه ورفضه بقول: “لا أريد المسيح فيما بعد”. فالكتاب يقول أنه إذا أنكر مؤمن ناضج المسيح عن عمد وباختياره، فلا توجد بعد ذبيحة لخطاياه.

في النهاية، كيف صرتَ خليقة جديدة من الأساس؟ أليس بقبولك ليسوع المسيح كمخلِّص؟ إذ آمنت في قلبك أن الله أقام يسوع من الموت وأنه هو ابن الله. وأطعت الكتاب، فآمنت في قلبك واعترفت بشفتيك أن يسوع المسيح ربًا وسيدًا على حياتك (رومية 10: 9 و10).

لذلك فإن الخطية التي يشير إليها الكتاب هنا هي إنكار المسيح.. وليست أية خطية أخرى يرتكبها المؤمن في حياته. لكن من ضمن الجوانب التي أحدث بها إبليس خرابًا عظيمًا في جسد المسيح هي في أمر الخطية التي لا تُغتفر. فكثير من المصحات العقلية اليوم تمتلئ بأشخاص –حتى من المؤمنين– أقنعهم إبليس أنهم ارتكبوا الخطية التي لا تُغتفر.

لقد استخدم إبليس هذا الشاهد المذكور في رسالة العبرانيين ضد أشخاص ليس لديهم معرفة بفكر الله الكامل. فاستغل جهلهم وكذب عليهم وقيَّدهم بخداعه، مخبرًا إياهم أنهم أخطأوا باختيارهم، وبهذا ارتكبوا الخطية التي لا تُغتفر.

على مر القرون، مات الكثيرون لأنهم لم ينكروا إيمانهم في يسوع. لكن حتى لو كانوا قد أنكروا إيمانهم تحت وطأ الإكراه الشديد، لما أمسك الله هذه الخطية عليهم. لكن إن أنكروا عن عمد، لكان هذا وضعًا مختلفًا تمامًا.

أخبرني يسوع أن السيدة التي رأيتها في الرؤيا قد ارتكبت تلك الخطية التي لا تُغتفر وفقًا للشروط المذكورة في عبرانيين 10: 26- 29. فإذ كانت مؤمنة ناضجة وتدرك بالكامل ما تفعله، داست باختيارها على يسوع المسيح وحسبت دمه غير طاهر (ع 29). لذلك لا توجد ذبيحة بعد لخطيتها.

كثيرًا ما يحاول إبليس أن يقنع المؤمنين أنهم ارتكبوا الخطية التي لا تُغتفر. لقد ألتقيت بأشخاص على مر السنوات ممَن اعتقدوا أنهم ارتكبوا الخطية التي لا تُغتفر.

كنت أسألهم: “هل دستم على دم يسوع وقلتم أنه مجرد إنسان، وليس ابن الله؟ هل قلتم أن دمه ليس مقدسًا وأنه مثل دم باقي البشر الآخرين؟ هل رفضتم يسوع بالكامل؟”

وكانوا يجيبون على كل تلك الأسئلة بالنفي.

فكنت أجيبهم: “إذًا، هذا العدد لا ينطبق عليكم”.

يحتاج الناس أن يعرفوا ما يقوله الكتاب عن الخطية التي لا تُغتفر حتى لا يستغلهم إبليس. ما لم تنطبق الشروط الخمسة المذكورة في عبرانيين 6 على مؤمن ناضج يقول باختياره: “إن يسوع ليس ابن الله” أو “لا أريد يسوع”، فهو لم يرتكب تلك الخطية. لا يمكن للأطفال روحيًا أن يرتكبوا هذه الخطية بقولهم تلك العبارة في وقت انفعال أو غضب أو شهوة. لأن الكتاب يشير في هذا الشاهد إلى قرار واعٍ يتخذه الشخص باختياره.

لا يهم ما فعله المؤمن في وقت ما أو مدى ابتعاده عن الرب.. حتى إن قال بعض الأمور ضد يسوع في لحظة غضب، فالرب لن يمسكها ضده إن تاب واعترف بخطيته وتحوَّل عن أفعاله الخاطئة. هذا لا يعطي تصريحًا بالخطية، لأن الخطية خاطئة جدًا. لكنه يخبرنا أنه يوجد تدبير للمؤمنين عندما يخطأون ويخفقون (1 يوحنا 1: 9). لهذا السبب عندما تخرج عن شركتك مع الرب، تحتاج أن تعيد الشركة في أسرع وقت ممكن. لأنك في ذلك الوقت تكون تحت نطاق إبليس.. وهذا وضع خطير؛ لأن إبليس يسعى لتدمير حياتك (يوحنا 10: 10).

في الحقيقة، إن خطية رفض المسيح يمكن أن تحدث بطريقتين. الأولى بأن يسمع الناس الكرازة بالإنجيل ويرفضوا يسوع ويستمروا في رفضهم له. وبعد بعض الوقت، لا يعد الروح القدس يتعامل معهم بشأن قبولهم ليسوع كمخلِّص (تكوين 6: 3). وعندما يموت أولئك الأشخاص، فسوف يقضون الأبدية في الجحيم. والطريقة الثانية التي يرفض بها الناس يسوع هي أن يرفض المؤمنون الناضجون يسوع عن عمد وباختيارهم.

 سألت الرب عما سيحدث لتلك السيدة. فقال لي أنها ستقضي الأبدية في البحيرة المتقدة بالنار والكبريت. وفى تلك الرؤيا رأيتها وهى تهوي في ذلك المكان، وسمعت صراخها المرعب.

أعرف شخصًا آخر ارتكب الخطية التي لا تُغتفر. كان الروح القدس قد تعامل معه لفترة طويلة، لكنه ظل يرفض معاملات الروح القدس ولم يخضع لله إطلاقًا. تحدثت معه شخصيًا عن الله أكثر من مرة. إذ كان قد أخبرني بنفسه أنه مولود ثانية وأن الرب دعاه، لكنه لم يشأ أن يخرج للوعظ.

فى النهاية، ابتعد عن الرب وتوقف عن حضور الكنيسة وانغمس في الخطية. تحدثت معه عن الرب وحاولت أن أرده مرة أخرى. كان في ذلك الوقت يعيش في عمق الخطية، ويفعل كل ما يمكنك تخيله. عندما تحدثت معه عن الرب، كان يبكي ويرتعد ويرتجف تحت التبكيت. فظللت أصلي له وأتحدث إليه على فترات مختلفة طوال خمس عشرة سنة، محاولاً أن أرده إلى الرب.

في المرة الأخيرة التي تحدثت فيها إليه، قال لي: “أعلم أن كل ما تقوله صحيح، لكني لن أفعل أي شيء من ذلك”. ثم أضاف: “لكن لا تيأس مني.. استمر في الصلاة لأجلي”. فظللت أصلي لأجله. أذكر ذات ليلة أني كنت راكعًا في منتصف الليل أصلي لأجله، حين تكلم إليَّ الرب. قال لي: “انهض من مكانك”. كان صوته واضحًا جدًا، فأجفلت ونهضت. ثم قال لي الرب: “لا تصلي لأجله”.

قلت: “كيف يا رب؟ لقد أخبرني أنه يعرفك منذ أن كان مراهقًا. وقال أنك دعيته للوعظ، لهذا أصلي حتى يرجع إلى الشركة معك ويعود لك مثل الابن الضال”. لكن الرب قال لي: “لا تصلي لأجله فيما بعد”.

فسألت الرب: “كيف تخبرني ألا أصلي لأجله؟ إنه لا يزال في هذه الحياة، وما زال يوجد له رجاء”.

أجابني: “كلا.. لن يخلُص. سوف يموت ويذهب للجحيم”.

جاءتني تلك الإجابة كصدمة. فقلت للرب: “يا رب، لست أفهم هذا”.

 

قال لي: “هل قرأت في العهد القديم عن أفرايم؟ ألا تعلم أني قلت في النهاية: ‘اتْرُكُوهُ’؟ لماذا قلت ذلك؟ لأن أفرايم كان مُوثقًا بأصنامه (هوشع 4: 17). لذا، اترك الرجل وحده”.

 

كما ترى، كان ذلك الرجل موثقًا بأصنامه في عالم الروح. لقد فتح بابًا واسعًا لإبليس وكان الرب يعلم أنه لن يتوب. لذلك لم أصلِّ له فيما بعد.. لم أستطع. آخرون صلوا لأجله، لكن الرب أخبرني ألا أفعل. وفيما بعد، مات هذا الرجل في سن مبكر.. كان في الرابعة والخمسين من عمره عندما مات.

سألت أقاربه عن الطريقة التي مات بها، فقالوا لي أنه مات وهو يلعن الله.. ذاك الذي كان مؤمنًا في وقت ما! أليس هذا أمرًا مرعبًا؟ لكن هذا يمكن أن يحدث عندما تفتح بابًا واسعًا لإبليس، وتستمر في الخطية ولا تتحول عنها أو تتوب أبدًا.

هل كانت تلك مشيئة الله؟ بالطبع لا. لكن التواجد في نطاق سيادة إبليس هو أمر خطر للغاية. فالشيطان يمكنه أن يضلل الناس، ومن الممكن أن يصلوا لمرحلة حيث ينفصلون عن الله عن عمد وباختيارهم.

من الخطر أن تصغي إلى أكاذيب إبليس، وتبتعد عن الشركة مع الله وتنغمس في الخطية. إذ يجعل هذا من الممكن للمؤمنين الذين هم تحت سيادة إبليس أن ينفصلوا عن الله عن عمد وبدون اكتراث.

لكن ينبغي أن تدرك أنه يوجد فرق شاسع بين المؤمنين الذين يشتاقون أن يسيروا مع الله، لكنهم يتعثرون ويسقطون من حين إلى آخر عن غير قصد، وبين مؤمنين يصرون على فعل الخطأ عن عمد وباختيارهم ويتحولون بإرادتهم عن الله وينكرونه.

الفرصة الأخيرة

كنت أعقد بعض الاجتماعات في شرق تكساس عام 1945. قال لي أحد أعضاء لجنة الكنيسة: “أريد أن أسألك سؤالاً يا أخ هيجن”. ثم ابتدأ يوضح أنه كان هناك راعٍ سابق لتلك الكنيسة، وهو الذي قام ببنائها، وقد رعاها لقرابة ثلاثين عامًا في تلك المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي خمسة عشر ألف شخص. لكنه ترك زوجته، وارتبط بامرأة أخرى.. كان يعيش معها وحسب، دون أن يتزوجها.

عندما ذهبت لأعظ في تلك الكنيسة، كانت قد مضت سنوات عديدة على ارتباط ذلك الراعي بتلك السيدة. ومن بعد هذا الراعي، كان يأتيهم كل عام راعٍ جديد لا يقضي فيها أكثر من عام واحد ثم يتركها. وكانت الكنيسة تحاول أن تتخلص من سمعتها السيئة بسبب ذلك الراعي الذي ارتبط بتلك المرأة. إذ كان لا يزال يعيش معها في تلك المدينة الصغيرة، بالإضافة إلى أنه كان يدير صالة قمار ويفعل أمورًا أخرى خاطئة. كان يجلب عارًا على الكنيسة بالطريقة التي عاش بها.

قال لي ذلك الخادم: “لكن يا أخ هيجن، حدث منذ ثلاثة أسابيع وفى صباح الأحد أن ذلك الراعي الأسبق ظهر فجأة في خدمة الصباح. أعطت إحدى السيدات في الكنيسة رسالة بالألسنة، وقام ذلك الراعي الأسبق بترجمتها. هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ هل يمكن أن تكون تلك الترجمة من الله؟”

قلت له: “حسن.. قبل كل شيء، ألم تقرأ في العهد القديم أنه بعدما أرتد شاول وابتعد عن الله، حدث أنه دخل وسط جماعة من الأنبياء وحلَّ عليه الروح القدس فابتدأ يتنبأ (انظر 1 صموئيل 19). يخبرنا الكتاب أن هبات ودعوات الله هي بلا ندامة (رومية 11: 29). لكن هذا لا يعني أن الله لم يدين خطية شاول. لذلك فقبل أن أحكم ما إذا كانت الترجمة من الله أم لا، أخبرني بمحتوى الرسالة”.

أجاب ذلك الخادم: “حسن، لقد انزعجنا جميعًا، لذلك لا أتذكر الجزء الأول منها. لكن آخر جزء كان يقول: ‘هذه هي دعوتك الأخيرة.. أنا أقدم لك فرصتك الأخيرة’”.

عندما وقعت تلك الحادثة، كان قد مضى ثلاث سنوات منذ أن كان ذلك الراعي في شركة مع الله. قال الخادم: “عندما أنهى هذا الراعي الترجمة، صاح بصوت عالٍ: ‘أريد أن يعرف الجميع هذا.. فليذهب يسوع المسيح إلى الجحيم’. ثم تحول وخرج من المبنى”.

ثم أكمل: “هل تعتقد أن الترجمة التي قالها ذلك الراعي كانت صحيحة؟”

فأجبت: “نعم، لقد تحدث الله بطريقة خارقة للطبيعة إلى هذا الرجل. كان الراعي يتكلم من روحه بما قاله له روح الله. لم تكن تلك الترجمة لشعب الكنيسة، إنما كان الله يتكلم إليه وحسب. وقد وصلته الرسالة. الله في رحمته أعطاه فرصة أخيرة ليتوب ويتحول عن خطيته. لكن ذلك الراعي لم يلتفت إليها. لقد ترجم ما قاله له روح الله بصورة صحيحة، لكنه قرر أن يرفض المسيح عن عمد وباختياره”.

 

هذا أمر محزن، لكن من الممكن أن يحدث. مع ذلك، يوجد درس لنتعلمه من هذا. فكما تذكر، بدأ الرب يسوع حديثه في الرؤيا قائلاً: “سوف أريك بالتحديد كيف تتمكن الأرواح الشريرة من البشر وتسيطر عليهم وتسكن فيهم –حتى المؤمنين– إن سمحوا لهم بذلك”.

 

كما ترى، إنك في موضع خطر إن بدأت تصغي لما يغذي إبليس ذهنك به وبدأت تفكر في أفكاره وتتبع إيحاءاته. فالتفكير بطريقة خاطئة يجعلك تفتح بابًا لإبليس. وإن فتحت بابًا للشيطان، فلن يمضي وقت طويل حتى يحاول أن يتحكم في ذهنك وتسيطر عليك أفكاره.

ينبغي ألا يعطي المؤمنون أي مكان لإبليس في أفكارهم. يخبرنا الكتاب المقدس: “وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا” (أفسس 4: 27). هذا يعني أن إبليس لا يمكن أن يسود على المؤمنين ما لم يسمحوا له بذلك.. وفي وسعهم أن يفعلوا هذا. لكن على المؤمنين ألا يتركوا إبليس يسود على تفكيرهم، لأن لديهم سلطانًا عليه في اسم يسوع. إبليس ليس سيدًا علينا؛ لذا ينبغي ألا نعطيه فرصة ليسود علينا في أية زاوية، حتى في أفكارنا.

إن المؤمنين لديهم إرادة شخصية لا يتخطاها الله قط. وإبليس لا يستطيع أن يتخطى إرادة الإنسان. لذلك ليس على المؤمنين أن يخضعوا لإبليس. فالله قد أعد جسد المسيح وجهزه جيدًا ليكون قويًا في الرب عندما يفكر في أفكار الله. لذلك لا داعي أن نقع فريسة لإبليس ولأفكاره؛ لأنه ليس سيدًا علينا، بل يسوع المسيح هو سيدنا. نحن لدينا نصرة على إبليس، لكن لابد أن نمارس سلطاننا الذي لنا في المسيح، كما ينبغي أن نغلق باب أذهاننا في وجه إبليس دومًا بأن نفكر بما يتوافق مع كلمة الله. هذه هي الطريقة التي لا نعطي بها إبليس أي مدخل إلينا، ونثبت أقوياء كمؤمنين منتصرين وكأعضاء في كنيسة منتصرة. 

نشرت بإذن من كنيسة ريما Rhema بولاية تولسا – أوكلاهوما – الولايات المتحدة الأمريكية  www.rhema.org .
جميع الحقوق محفوظة. ولموقع الحق المغير للحياة الحق في نشر هذه المقالات باللغة العربية من خدمات كينيث هيجين.

Taken by permission from RHEMA Bible Church , aka Kenneth Hagin Ministries  ,Tulsa ,OK ,USA. www.rhema.org.
All rights reserved to Life Changing Truth.

2 Comments

  1. Norma Tannoury

    ان كانت كرازتنا واقوالنا من
    ان كانت كرازتنا واقوالنا من الروح القدس اي الخدمة بالروح فالرب يسوع يثبت لنا ذلك بطريقتين او ثلاث . كنت قد كتبت على الفيس بوك عن الارتداد وعقابه الوخيم وعدم الثبات في المسيح وايضا عن ابليس وايحائاته ليوقع بالناس. فظهر امامي هذا الموضوع المثري ليؤكد لي رب المجد ان افكاري صحيحة بخصوص الخطيئة التي لا تغتفر ، حيث انني تكلمت لاهل بيتي وقبل ساعتين انه يجب الانتباه لعدو الخير الذي يوهم المؤمن انه لن يذهب مع يسوع في الايام الآخيرة – وذلك اثر رؤيا حدثت معي – . فانا اشكرك على هذا الموضوع او الكتاب الاكثر من قيم واشكر الرب الذي يثبت الكلام بالآيات التابعة . آمين .

  2. Norma Tannoury

    ان كانت كرازتنا واقوالنا من
    ان كانت كرازتنا واقوالنا من الروح القدس اي الخدمة بالروح فالرب يسوع يثبت لنا ذلك بطريقتين او ثلاث . كنت قد كتبت على الفيس بوك عن الارتداد وعقابه الوخيم وعدم الثبات في المسيح وايضا عن ابليس وايحائاته ليوقع بالناس. فظهر امامي هذا الموضوع المثري ليؤكد لي رب المجد ان افكاري صحيحة بخصوص الخطيئة التي لا تغتفر ، حيث انني تكلمت لاهل بيتي وقبل ساعتين انه يجب الانتباه لعدو الخير الذي يوهم المؤمن انه لن يذهب مع يسوع في الايام الآخيرة – وذلك اثر رؤيا حدثت معي – . فانا اشكرك على هذا الموضوع او الكتاب الاكثر من قيم واشكر الرب الذي يثبت الكلام بالآيات التابعة . آمين .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

$